أقلام حرة

هل في البرلمان برلمانيون؟!!

تعرض المشهد السياسي في البلاد الى اهتزازات حقيقية،وهذه المرة ضرب قبة البرلمان، وتطور الصراع بسرعة من الشارع الذي اقتحم البرلمان وكسر ابواب المنطقة الخضراء، ليتحول الى ساحة البرلمانيين، ويتحول الى مأزق خانق غير متوقع، حيث اعتصم عدد من النواب في مبنى البرلمان، مطالبين بتغيير رئاسته، الامر الذي تحول صراع سياسي بين الكتل السياسية جميعاً، وادخل البلاد في نفق الصراع السلطوي والفئوي بين الكتل السياسية، وفتح ابواب جميع الخيارات امام هذه المشهد الذي عبر بجدارة عن الجهل السياسي لدى نواب العراق وتخلفهم .

هذه المسرحية التي حصلت تحت قبة البرلمان، والتي كان ابطالها بين فاسد ومتهم بالارهاب، وبين سارق للمال العام، ومن التحق بهم من بلطجية، والذين تعودوا على لغة الصياح متناسين ان هذه اللغة لم تعد تنفع،لان البلاد لايمكن ان تقاد بشخص واحد او جهة واحدة، ولا يمكن اختزال القرار السياسي بشخص واحد، او السعي الى التاسيس لديكتاتورية جديدة بعد حكم ديكتاتوري ظالم حطم البلاد وألعباد، وهنا لابد من اثارة تساؤل؛ هل من الممكن ان تكون أزمة البرلمان الجديدة سبباً في وجود برلمان اخر داخل البرلمان المنتخب، او انها بداية لخارطة التقسيم،والتي أُريد لها ان تمرر داخل البرلمان، وبأيادي برلمانية، وهو ما يأتي إكمالاً لمشروع (بايدن) والدول التي تريد ذلك،ليكون العراق ضعيفاً فاقداً لوحدته ومكانته، وهي الفرصة الذهبية لاصحاب مشروع تقسيم العراق .

لقد استفادت الأطراف جميعها من هذه الاعتصامات والمطالبات، وكلاً بحسب اجندته واهدافه سواء كانت نبيلة ام خبيثة، فالسيد المالكي كان في مقدمة المستفيدين من هذه الاعتصامات، ويبدو من خلال التقارير ان هناك تدخل في التأثير على سير الاعتصامات، عبر شخصيات قريبة منه ومن أقاربه، واستطاع من تحريك الشارع الصدري الغير منضبط للهجوم إعلامياً على خصمه (المجلس الاعلى)، ومحاولة الوصول الى حد المواجهة المباشرة والاحتراب، في ذات الوقت الصدر هو الاخر استفاد من هذه الاعتصامات، وهي السعي عبر التغيير والإصلاح، ومحاولة استغلال ضعف السيد العبادي، والنفوذ الى داخل جسم الدولة، والتقرب الى العبادي، وهو ما يساعده بالتأكيد على غلق الكثير من الملفات القضائية ضده، وفي مقدمتها (ملف السيد عبد المجيد الخوئي)، كما هو السيد العبادي الذي يسعى من خلال هذه الاعتصامات الى الإطاحة بالمالكي، وانهاء نفوذه والتنافس على زعامة الدعوة، وبناء منظومته واجهزته الخاصة، وهو ما يتطلب جهد متميز في تفتيت اجهزة ومنظومة المالكي الى جانب تقديم المالكي الى المحاكمة، كمايهدف الى ازاحة الكتل السياسية، وإبدالها بالحزب الواحد تحت يافطة (التكنوقراط) وضرب المحاصصة، كما يهدف الى ضرب القوى الاسلامية، وخلق توازن لإنهاء النفوذ الايراني في البلاد، ناهيك عن الأهداف الكردية وآمال البارزاني في نفط كركوك والانتهاء من أزمة رئاسته الإقليم ،وحلم الاستقلال .....

الحكيم من جهته يسعى من خلال ورقته الإصلاحية، والتي يتحسس منها. خصمه التاريخي (الدعوة)، ويتأثر منها شريكه المتحرك (الأحرار )، لان الخصمين يجدون انهم الاقدر والأجدر على التصدي لاي عملية وتحرك سياسي، فهو يسعى الى تفتيت الدولة العميقة التي سيطرت على اجزاء الدولة، والعمل على اشراك طبقة سياسية جديدة عبر دماء جديدة تخرج من الجمهور، وابعاد الأصنام وتكسيرها عبر ازاحة الطبقة السياسية التي ساعدت على ترسيخ مفهوم الديكتاتورية السياسية والحزبية، والسعي الى تكوين كتلة سياسية ذات أغلبية سياسية من المكونات السياسية عبر شراكة حقيقة، وتنتج حكومة قادرة على حمل راية الاصلاح والتغيير، وبناء الدولة، كذلك ايجاد توازن بين المشروع الامريكي والايراني في البلاد، وكسر معادلة حكم الحزب الواحد وتفرده بالسلطة .

السنة عبر ممثلهم السيد سليم الجبوري يسعون من خلال هذه الاعتصامات الى التأثير على الوضع الداخلي، ودعم الزعامة السنية له في العراق، ودعم المشروع التركي السعودي الساعي الى اعادة قوة ونفوذ السنة، وهو الامر الذي يلقى ترحيباً في بعض الأوساط الشيعية، اذ يعد الشريك السني عاملاً مهماً في استقرار البلاد، وان عملية إشراكه في السلطة ما هي الا طمأنة داخلية واقليمية، وان لا تهميش ولا إقصاء لأحد .

ان عملية الاصلاح لا يمكن ان تتم عبر حرق المؤسسة التشريعية، ومحاولة إفراغها من محتواها، بل يجب ان تنأى بنفسها عن اي صراع سياسي، لانها على الأقل تمثل ارادة الجمهور، كمان ظاهرة الاعتصام تثبت ان لا مؤسسة دستورية، ولا مجلس نواب، بل مجموعة من الألعاب الالكترونية (الأتاري) تسيرها ارادت، لذا كان الاولى بالسادة نواب الشعب ايجاد القاسم المشترك فيما بينهم، وعلى الأقل في المسائل الخطيرة التي تهدد مستقبل البلاد، والسعي الى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم ادخال الشارع في صراعات الكتل السياسية، وتوحيد الجهود لإنهاء نفوذ داعش الذي يعيش نشوة انتصاراته على هذا الصراع، لان داعش ظاهرة حاضرة، وستبقى حاضرة في كل وقت ومكان، ولا يمكن اعتبارها من الماضي، بل ستبقى حاضرة وبقوة، كماينبغي السعي لإيجاد الاصلاحات الضرورية، ومحاربة الفساد وانهاء حكم التفرد بالسلطة لانها خربت البلاد، وستكون سبباً مباشراً في تقسيمه، وان عملية الشراكة والمشاركة في السلطة هو عامل قوة من جهة، وطمأنة للوضع الإقليمي والدولي، وإطلاق رسالة مفادها ان الامن والتسوية التاريخية تبدأ من العراق .

 

محمد حسن الساعدي

 

في المثقف اليوم