أقلام حرة

أنا وصديقي جبار

ahmad alkhozaiلم اعرفه قبل هذا اليوم، الصدفة البيروقراطية هي من قادتني كي أقف معه في طابور طويل أمام شباك في إحدى وزاراتنا، اصطف بقربي متشبثا بمعاملته، لحظات قليلة حتى قادنا طول الانتظار ونحن نسير بخطى بطريقية نحو الشباك الصغير إلى الدخول بأحاديث حول الوضع السياسي، والفساد الإداري، أخذنا نحلل ونبحث في أصل المشكلة العراقية وجذورها وتداعياتها، لكن بصوت جدا منخفض، خوفا من تطفل الآخرين، انفتحت أساريري نحوه، وتجاوزت بعضا من الخطوط الحمراء في حديثي معه، متجاهلا أن أضع في حساباتي، انتمائه العقائدي والسياسي، كان وسيما بعينين صفراويتين وشعر أشقر، حتى بدا في حالة تناقض مع اسمه الذي عرفته فيما بعد من الموظف الجالس خلف الشباك، حين سأله (أنت جبار)، فأجاب بكلمة (نعم)، ذيل ذلك الموظف على معاملتينا بأسمين مختلفين، اتجهنا إلى غرفة صغيرة في الجوار، احتوت على طاولتين جلست خلفهما امرأتين، كانتا أكثر تناقضا من وسامة جبار واسمه، سأل صديقي جبار عن الاسم الذي ذيلت به معاملته، رفعت إحداهن رأسها السافر الأشقر الفاقع اللون، وابتسامة عريضة طغت على وجهها الطفولي، تناولت معاملته، ضربت على مفاتيح الحاسوب الذي أمامها، مرت عشرون ثانية أو يزيد عنها بقليل، وذا بها تنجز معاملته خرج من باب المكتب وقف بانتظاري، أنا لازلت واقفا أمام الطاولة الأخرى، التي جلست خلفها امرأة بزي إسلامي في غاية الحشمة، ومستكمل لكل الشروط الشرعية للحجاب، بوجود قفازين سوداوين في يديها، بقيت واقفا لعشر دقائق انتظر، واضعا يدي الواحدة فوق الأخرى وكأني تلميذ يقف أمام معلمه، بعد أن تناولت مني المعاملة وألقتها على سطح الطاولة، لتكمل حديها المشوق مع زميلتها حول الفوائد العظيمة لصلاة الليل، قطعت حديثها فجأة نظرت إلي باشمئزاز وأمرتني بالخروج من المكتب والانتظار في الخارج لحين انجاز معاملتي، خرجت ووقفت بالقرب من صديقي الطارئ جبار الذي ظل ينتظرني، مرت عشرون دقيقة وأنا أراوح في مكاني، استأذن جبار مغادرا المكان لينجز بقية فقرات معاملته، اقتربت من الباب لأرى ما الأمر، وجدتها قد غيرت الموضوع لتتحدث هذه المرة عن منازل الآخرة، وحياة القبر والبرزخ، ومعاملتي لا زالت مرمية على سطح طاولتها دون أن تكترث لوجودها، شدني منظر زميلتها السافرة التي كانت تتفاعل مع حديثها بطريقة تمثيلية، بين مندهشة وخائفة ومستغفرة، كانت تقص حكايتها باسترسال وطمأنينة، دهشت وأنا استرق السمع لقصة الرجل الذي توفي فنزل عليه الملكين في قبره، وحين لم يجدا له ذنبا كبير اقترفه في حياته ليحاسباه عليه، ضربه احدهما بسوط من نار اشتعل من لهيبه القبر، والسبب لأنه لم يعين رجل كبير على دابته حين مر بقربه في احد الأيام، انقضت نصف ساعة توقفت عن حديثها الإيماني، ساد الصمت للحظات، خرج اسمي من شفتيها متعثرا، دخلت الغرفة وجلا، ناولتني معاملتي وقد كتبت عليها عبارة قصيرة من ثلاث كلمات، هي نفس العبارة التي وشمتها زميلتها المتبرجة على معاملة صديقي جبار في عشرين ثانية، خرجت من المكتب فرحا لان معاملتي قد خرجت من عنق الزجاجة، وأنا اردد مع نفسي ما سمعته قبل قليل، عن الفائدة العظيمة لصلاة الليل، وتأثيراتها على حياة الإنسان وعمله فيها.

 

احمد عواد الخزاعي

 

في المثقف اليوم