أقلام حرة

التمسك بقشور الدين!!

كنت ذات يوم في مؤتمر ثقافي وسألت أحد المفكرين العرب المهتمين بقضايا الأمة، فقلت له : كيف تختصر أسباب تأخرنا بأقصر عبارة؟

قال: التمسك بقشور الدين!!

قلت: وهل للدين قشور؟

قال: عليكَ أن تصل إلى مقصدي فقد أجبت سؤالك، وإلا فارجع إلى كتابي....

قلت: هل أننا نطير بأجنحة السراب ولا نشرب من أنهار العقول والجوهر

قال: فانظر الطريق.....

مرت الأيام وتواكبت الأحداث وتحققت المآسي والويلات، وكلما تأملت الحال، ينهض السؤال التقليدي في خيالي: أين الدين؟ ولماذا كل فعل سيئ يظهر على أنه يرتدي عمامة الدين؟

وتواردت إلى ذاكرتي بعض الأحاديث النبوية التي تعلمناها في المرحلة الإبتدائية ومنها :

"الدين المعاملة" و" الدين النصيحة"

و" أني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي"

 

ومن الآيات:  " لا إكراه في الدين"  2:256

"...وجادلهم بالتي هي أحسن..."16:125

" وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن..."  17:53

"إدفع بالتي هي أحسن..."  23:96، 41:34

وعدت إلى رأي ذلك المفكر وتأملته "التمسك بقشور الدين"

ترى لماذا صارت المسافة بيننا وبين جوهر الدين بعيدة شاسعة؟

ولماذا أصبحنا من المدّعين بالدين ولسنا مدينين به؟

وكيف أمسينا لا نعرف إلا القشور، ولا نتمكن من وعي المحتوى، وتمثل العقيدة والكتاب والسنة النبوية؟

إن في قول ذلك المفكر العربي عين الصواب،  فلو أننا حقا على معرفة ووعي بديننا وأصوله ومعاييره السلوكية الرحيمة، التي تهدف إلى بناء حياة إنسانية ذات قيمة سامية وتأثيرات إيجابية في مسيرة المجتمع وتطوره، لأصبحنا من أحسن البلدان تقدما وتطورا وسعادة وأمنا وأمانا.

القول بجهل الدين فيه الكثير جدا من الصواب، لأننا ما عدنا نتفق في سلوكنا مع ديننا بل نتعامل بحالتين متناقضتين، فالدين عندنا صلاة وكلام وحسب، أما كعمل يومي فأنه يغيب عن حياتنا ولا نعرفه في وعينا الفردي والجمعي.

ما هو الدين؟

وكم نعرف من القرآن؟

وهل نفهم ما نقرأه من السور والآيات؟

وهل تربينا على السلوك الإسلامي الحميد؟

مجتمعاتنا الإسلامية تعج بالفساد والغش والكذب والمحسوبية والنفاق والظلم، وزيادة عدد الجياع والفقراء، وكذلك الأثرياء والأغنياء الأنانيون الجشعون الذين لا يرحمون حتى أنفسهم.

وأنظمتنا تنافي أبسط المعايير والأخلاق والمعاني الإسلامية.

فلا يوجد فقراء في دول العالم غير المسلمة أكثر من فقرائنا ومحتاجينا.

ولا توجد أزمة سكن فيها  أكثر من بلداننا.

وقوانيننا ظالمة تدين بعقائد الكراسي وتؤله السلطان، وتدفعه إلى الإستبداد والتسلط والفتك بالعباد، وامتهان حقوقهم وترويعهم وقتلهم، ولا نستطيع أن نثور بوجهه ونحاسبه ونضعه أمام المساءلة.

والمسلم يهرب من بلداننا المسلمة لكي يجد الحماية والعون والرحمة في بلاد غير مسلمة.

فأين الدين فيما نقوم به من أفعال؟

المسلم يشرد المسلم ويغتصب حقه، ويكون مذهبه دينه، وإمامه المعمم ربه وهاديه الذي يفنى من أجله، وهو يسوقه إلى حتفه وفقا لبوصلة رغباته ومصالحه الدنيوية البغيضة، لكنه يرائي بالدين ويكون غيورا عليه أمام الآخرين، وكأنه يحسب الله غافلا عنه ولا يدركه ولا يحاسبه.

المسلم نسي مخافة الله وصار خوفه من السلطان أكثر من خوفه من رب العباد.

ولهذا فأن سلوكه لا يتقيد بالدين، وإنما بما يقيه من جور الحاكم المستبد، الذي يريد أن يفتك به ويرضي جشعه وطغيانه الأسود.

المسلمون يتفرقون على ضوء خارطة المذاهب والمدارس والجماعات، ووفقا لما يراد لهم أن يكونوا عليه من الضعف والتناحر والضياع.

وكلهم يتغنى بالدين ويدعيه ويوهم الآخرين بغيرته القصوى عليه.

وبعضهم أمعن في قسوته على دينه فراح يشوهه بالأعمال السيئة، التي تتنافى مع الدين لكنها تحسب عليه فتؤذيه وتقهره.

فأين الدين الفاعل المتحقق في الحياة، وليس الدين المنفعل المعبأ بالعواطف الفاسدة المحتقنة الممرغة بالجهل والمتمسكة بالقشور، التي تلونها العمائم المحتالة، وفقا لما يحقق مصالحها البغيضة.

نعم أيها الأستاذ المفكر أننا نتمسك بقشور الدين، فلا نعرف من الإسلام إلا إسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، وتلك صرخة مدوية نطق بها أفقه المسلمين علي بن أبي طالب رفيق خاتم المرسلين.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم