أقلام حرة

السماوي: ثوب من الماء لجسد من الجمر

intwan alkazziاورفت أراجيحُ النخيلِ أكماماً للغمام، وأسرج النعاسُ خصلةً من غُرّة الهزيع وطيّبَ المدادُ جراحَ السطور وأوقدتْ جلجامش جمرَ القوافي لتعلنَ مولدَ  «ثوبٌ من الماءِ لجسدٍ من الجمر» ليحيى السماوي.

يحيى السماوي شاعرٌ يسكب ندى العطرِ مذبوحاً بجنحِ فراشة، يغرفُ من الينبوعِ نميرَ الأسحار، يرفل الأنداءَ زاداً لعنادلَ تنسجُ قميصاً للنجوم.

الى حديقته ، تفيءُ  بناتُ الريح تبني من هديلِ المسافة أعشاشاً لعصافير أحلامه.

هو السماوي، يمتشقُ مجاذيفَ سندباد اراجيحَ للأشرعة، يلفّ الأفقَ بأغنية قبطانٍ تائه، يرسمُ الدواوين ملامحَ أسفارِه الرمضاء.

من يشقُّ مقلتيه أنهاراً للضوء؟

من يولمُ لليل أعراسَ الأسحار؟

مَن يكحلُ النوافذ بأقواس الياسمين؟!

ومن يسترُ الشفاهَ بقبلةٍ غافلها الجنون؟!

 

إنه يحيى السماوي، من رذاذِ الأقلام يعطّر جفونَ الآس، ومن غلائلِ الورد ينسجُ للخطيئة ثوبَها الأبيض.

شاعرٌ لا يغيب، شمسُه الموسومة على الشعر أبهى من ثغرِ الشروق، وريشتُه المفتونة أغوى من غُنجِ الحواري.

هو الناسكُ في صومعةِ الدفء ، تدلف أمطارُه الى ليلِ العطش الطويل، وتغمضُ عيناه على عراقٍ باتتْ ملامحُه أيقونة المواجد.

معه ترقصُ المرايا  لغزالةٍ ترودُ الماء، معه يضحكُ القلبُ لسهامٍ تبلل نجوى الضلوع، مع السماوي تزهرُ القناديل اشجاراً بلا ظلال. معه يحمل العابرون حصادَهم الى مواقدِ الغجر، يخبزون للنسيانِ قيثارةً دامعة ورغيفاً أدماه الهجير، فراديس السماوي نواعيرُ تطفئ الولوعَ وأسوارُه أمداء الرافدين وكأسه دهشة العودة.

يحيى السماوي في «ثوب من الماء لجسدٍ من الجمر» لم يكتبْ عن لصوص وطنٍ للإيجار، ولا عن البطونِ التي تقتاتُ من أفواه الثكالى، يحيى السماوي يكفّن الإنتظار بأوتار لا تعزف إلا لحنَ السعادة،  يعيدُ الزمنَ الى الأعمارِ الهاربة، ويجعلُ الموجَ سريراً لأطفالِ الوطن الجديد. «هناك يحرثُ بأضلاعِه حقولاً قطوفُها قمح التمنّي».

بوركتْ يداكَ يا صديقي، بوركَ اليراعُ ينزفُ مثقالَ حبّك ريقاً على خدِّ الأقاح. 

 

بقلم أنطوان القزي

رئيس تحرير "التلغراف"

 

في المثقف اليوم