أقلام حرة

التظاهر والتقاهر!!

من القوانين السلوكية الواضحة، أن أي نظام حكم لا يمكنه أن يكون ضد الشعب إلا عندما يكون مدعوما بقوى خارجية، أو أنه يمثل قِوى خارجية ويقوم بدور الوكيل لتنفيذ مشاريعها وتحقيق مصالحها.

وعندما يُحكَم أي بلد بمثل هذه الحكومات فأن ما يقوم به الشعب لا يحقق شيئا، لأن الحكومة محمية بالقوى الخارجية التي تنفذ أجنداتها بإتقان، وهذا يعني أن أي تظاهر أو إحتجاج سيتحول إلى تقاهر، أي تدمير للشعب، وإدخاله في متاهات تصارعية تؤمّن بقاء الحكومة الموكلة بتنفيذ مشاريع الآخرين، وتمكينها من تدمير البلاد والعباد وفقا لذرائع وسينوريوهات يتم إعدادها في دوائر الفتك بالشعوب والبلدان.

وما يجري في بعض البلدان من إحتجاجات وتظاهرات وإجتياحات للمباني والمناطق والمؤسسات، ربما سينقلب إلى تقاهر وتقهقر ومزيد من المعاناة والمكابدات، التي سيتم إعدادها وتحضيرها لتكبيل الجماهير بتداعياتها وإشغالهم بتفاعلاتها، التي يتم تغذيتها وفقا لبرامج مدروسة وخطط مرسومة بعناية، ومجرّبة في مختبرات سبي الشعوب وإهلاكها عن بكرة أبيها.

فالمجتمعات المحكومة بقوى ذات مصالح تمثلها حكومات موكلة بها لا يمكنها أن تنجز شيئا، لأنها قد سقطت في حفرة العاطفية والفئوية والتحزبية، وتمترست خلف الجدران الإنفعالية، التي تزداد سمكا وصلادة وقدرة على الإحتكاك والتصادم والإحتدام.

فبعض المجتمعات قد تم هندستها إجتماعيا وفقا لمصالح الآخرين، فتحوّلت إلى وجود عشوائي مضطرب، فتناست وطنها وقيمها ومصالحها وأخلاقها وهويتها، وإنتماءها الإنساني والوطني والقومي والديني، وصارت كتلة ملتهبة من التفاعلات السلبية والتناحرات الهمجية الصاخبة.

ولهذا فأن هذه المجتمعات لن تنجز شيئا مفيدا ونافعا، وإنما سيتم قلب نشاطاتها وتوجهاتها لما يخدم مصالح القوى التي أوجدت حكوماتها، والتي تساهم في بناء الحالة النافعة لمنطلقاتها العقائدية والسياسية.

فلا يهم القوى الأخرى إلا أهدافها، وبما أنها وجدت الساحة الملائمة لتمرير مخططاتها، فأنها تبذل أقصى جهودها لتحقيق إرادتها وفرضها على المجتمعات، التي إرتضت الذل والهوان والإمتهان  ونكران المصالح الوطنية والهوية.

وتظاهراتها لن تأتي بجديد نافع، وإنما ستأخذها إلى ما هو أشد وأقسى وأمّر، لأن تعقيد الأمور وتنمية التصارعات هو المطلوب للحفاظ على المصالح الكبرى الإقليمية منها والعالمية.

ولأن هذه القوى تعمل بقدرات متطورة ونظريات مجربة، فأن الجماهير ستكون لقمة سهلة ومادة أولية جاهزة لتصنيع المطلوب والمتفق مع المصالح والأجندات المفروضة، ما دامت الطائفية والفئوية هي القانون والدستور والقوة التي تتحكم بالوجود القائم فيها.

وبما أن الهمجية قد جلست على الكراسي فأن الخير بعيد، والشر هو الحصيلة المثلى التي ترتجى من الجهلة والتابعين، القابعين في كراسي التوكل والتواكل على القوي القادر القابض على مصير المتوهمين بالسلطة والحكم، وما هم إلا منفذين لأجندات الآخرين، ومحكومين بأمرهم وحسب.

ولن تقوم قائمة لمجتمع محكوم بالوكالة، إلا بتحريره من الوكلاء الأوفياء لإرادة الآخرين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم