أقلام حرة

رسالة مفتوحة إلى صديقي الوزير

elmrazik almustafaسلام عليكم صديقي الوزير المحترم،

ترددت كثيرا قبل مكاتبتكم، وفكرت طويلا فيما سأكتبه لكم، وكل أملي أن لا أعكر مزاجكم في هذه الأيام التي تتعالى فيها أصوات نسائية وشبابية وحقوقية وثقافية وسياسية احتجاجا على مشروع القانون المتعلق بالعمال المنزليين، وخاصة حول النقطة المتعلقة بتحديد سن الشغل.

بداية، لن أدخل معكم في نقاش – قد يكون عقيما رغم أهميته القصوى- حول المقاربة الاجتماعية والتربوية والثقافية التي اعتمدتم عليها في صياغة المشروع المشئوم الذي تشرف عليه وزارتكم المحترمة، وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية.

و لن أناقشكم في مرجعيات الفهم والتفسير والخلفيات التي تحكمت في قراءتكم لفضاء الصراع والهيمنة، ولن أسألكم عن أسباب دوافعكم لإعادة إنتاج اللامساوات في مجتمعنا وتكريس العبودية المقنعة.

و لن أذكركم - والله-  لا  بطروحات ماركس والأممية العمالية ولا بطروحات باكونين ونزعته الفوضوية. لكن إذا سألتني لماذا قررت مكاتبتكم اليوم، سأجيبكم: لأنني أريد أن أعيش صداقتي معكم بصوت عال.

صديقي الوزير المحترم،

لقد تألمث كثيرا وأنا أقرأ تصريحاتكم حول الحركة الاجتماعية المناهضة لمشروع قانون وزارتكم، والتي اعتبرتموها " ضجة مفتعلة"، وكان من يناهض تشغيل الأطفال في العتمة أو في النهار..في الضيعات الفلاحية وفي المقالع وفي البيوت وأوراش المتلا شيات ومحلات التجارة ومراكب الصيد، وفي الأسواق والشوارع (يبيعون السجائر ويمسحون الأحذية)،  فهو يغرد خارج الصرب ولا يثير سوى الضجيج.

إن كتابة رسالتي المفتوحة هذه لسيادتكم، ليست " ضجيجا" إضافيا من حيث زمانها ومعناها ومضمونها ودوافعها وغايتها، بل هي رسالة من صديق جمعتكم به قصصا وروايات إنسانية وإجتماعية وجمعوية وثقافية، وهي - كذلك- عتاب واحتجاج على ما تدافعون عليه من غلط ومن عواقب وخيمة على مستقبل أطفالنا الذين ناضلتم وناضلنا جميعا من أجل حمايتهم ولكي لا يتكبدوا ما عانينا منه نحن من جمر ورصاص ومن قمع وعذاب ومن تهميش وحكرة ومن استغلال وسوء المعاملة ومن معانات مع المدرسة والمستشفى والشغل والهجرة، ومن حرمان من الحق في التعبير والرأي والاضراب.

صديقي الوزير المحترم،

إن عوامل الوحدة الجاذبة، أفشلها صناع الردة  والنكوصية والانفصال، وما الشتات والتفرقة والخوف من المستقبل إلا دليلا ساطعا على ما نعيشه من أزمة في الأخلاق والمابدئ والقيم. فأرجوكم لا تضربوا عرض الحائط كل المبادرات والنداءات والدعوات التي تناضل من أجل مغرب الكرامة والمساوات والحماية الاجتماعية والعدالة المجالية. فقبل حملكم لحقيبة وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، كنا جميعا تحت سقف "المنظمة المغربية لحقوق الانسان" وكنتم من المدافعين عن حقوق المغربيات والمغاربة في شمولياتها وسموها، وأسسنا جميعا المنتدى الوطني للمدينة (الذي أتشرف برئاسته)، وكان حلمنا ولا زال، نلخصه في مدينة مواطنة في كل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والثقافية، كما جمعتنا نضالات واهتمامات مشتركة.

لن أتقدم لك بالنصح والموعظة، فقط أريد أن أعبر لك عن حزني وعن مرارتي وأنا أراكم توقعون على مأساة جديدة باسم الشرع والقانون، وكأن "قانون الخادمات" هو المحدد في الصراع اليوم في المغرب.

صديقي الوزير المحترم،

بالأمس كان يتم اختطاف الأطفال من باب المدارس، ويزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات السرية منها والعلنية، وبالأمس كان الأطفال يتم عرضهم للبيع في القرى وأسواق البوادي، ويتم تحليق رؤوسهم ويمنع على عائلاتهم زيارتهم، وبالأمس كان الأطفال عرضة  للاستغلال البشع ضدا على العهود والمواثيق. واليوم في زمن حقوق الإنسان، أدعوكم للتراجع عن مشروع قوانينكم، وأدعو وزارتكم أن تعمل على استرجاع أطفالنا القاصرين  المشردين في العواصم الأوروبية هروبا من جحيم الفقر والاستبعاد الاجتماعي، وأن تفتح مراكز مواطنة لكل الأطفال المشردين في شوارع المملكة، وتمكينهم من الحماية الاجتماعية ومن التعليم والصحة والشغل، بدل التوقيع على تشغيلهم وتبرير استبعادهم واستغلالهم. إن وزارتكم تحمل اسما مركبا: " التشغيل والشؤون الاجتماعية"، وهذا هو بيت القصيد.

فبيننا وبينكم التاريخ، لأننا أيها الصديق الوزير المحترم لن نقبل تشغيل أطفالنا، وأنتم كذلك لن تقبلوا بتشغيل أبنائكم في السن الذي تدافعون عليه. إن المكان الطبيعي لأطفالنا هو المدرسة.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم