أقلام حرة

الجامعة فضاء لتلقين الدروس وليس لـ"تحليق الرؤوس"

elmrazik almustafaوأنا لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري، قال لي يوما حلاق قرية غفساي (عمي السلاسي) في إحدى زيارتي له بمناسبة إحدى الأعياد الدينية:

حين نحلق الرأس يجب أن نستحم مباشرة بعد ذلك قبل أن نرتدي بذلة العيد.

وقبل أن أغادره، سألته:

كم من رأس تحلق في السنة؟

تردد قليلا قبل أن يجيب: لو كانت أيام الله كلها عيد لكنت من أغنياء القرية..

تركت حلاق القرية منشغلا بزبنائه المنهمكين في مناقشة أحوال وشؤون القرية الاجتماعية والاقتصادية، وخرجت من قاعة الحلاقة ووجهي متجه إلى منزلنا لأعمل بنصيحته استعدادا لاستقبال العيد..

استحضرت حلاق قريتي النبيل والشريف، وأنا أتابع اليوم ما حصل في إحدى كليات جامعاتنا المغربية من مظاهر الانحطاط والإذلال وصلت إلى حد الاعتداء على مواطنة "بنت الشعب" وحلق رأسها ليس لاستقبال العيد، بل لدوس على كرامتها كإنسانة تستحق الحياة والحماية والعيش الكريم.

استحضرت حلاق قريتي "عمي السلاسي"، لأتذكر كذلك واقعة لازالت موشومة في ذاكرتي يوم طاردني أحد أفراد القوات المسلحة ليحلق رأسي بأمر من القائد الممتاز " مصطفى أيت سيدي مومة" الذي كان حاكم قريتي في زمن الجمر والرصاص.

كما استحضرت ما قرأته عن العقاب الذي تعرض له أبناء جبالة واغمارة في نهاية القرن التاسع عشر، بأمر من القواد والبشوات وأعيان المناطق الشمالية، حين أمروا بحلق رؤوس "المتمردين" بعد اعتقالهم. ونتذكر جميعا ما تعرضت له الحركات الاحتجاجية، في السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، من قمع واعتقال بتهمة "إطالة الشعر" والانتماء إلى حركات شبابية عالمية "الهيبيزم"، رافضة للبرالية والاستغلال الطبقي، أو ما كان يتعرض له المعتقلين السياسيين في السجون من تعذيب وقمع مزدوج، كان يتوج بحلق رؤوسهم والزج بهم في زنازين العزلة الانفرادية "الكاشو".. 

و اليوم،و احصرتاه! تتحول الجامعة المغربية التي رضعنا فيها حليب الحرية والتربية على التعايش والحق في الاختلاف والديمقراطية الناشئة، إلى حلبة للاعتداء المادي والمعنوي على الأفراد والجماعات. وما واقعة "شيماء" سوى وجه من وجوه انتهاك جسد الآخرين والعبث بأعضائه، وهو ما يجب شجبه وإدانته من دون أي تحفظ.

 فبعد ما كانت مهنة الحلاقة التي تعتبر من أقدم المهن - كما تشير إلى ذلك العديد من الدراسات والأبحاث التي لامست مكانة الحلاق في مصر الفرعونية، حيث كانت حلاقة الفرعون جزءا أساسيا من طقوس التنصيب -، وأمام ما يشهد به التاريخ القديم والوسيط والحديث من نبل وشرف هذه المهنة التي أصبحت لاحقا علما له علاقة بالطب والفنون، إلى أن انفصلت عن مهنة الطب بقرار من البرلمان الانجليزي في منتصف القرن الثامن عشر، ثم في فرنسا بقرار الملك لويس الرابع عشر..؛ وبعد ما كان للحلاق - كذلك- وظائف موازية مثل قلع الأضراس أو ختان الأطفال وعلاج بعض الأمراض الجلدية، يحول "الحلاق الجديد" الجامعة من فضاء لتلقين الدروس إلى وظيفة بشعة لانتهاك حقوق الإنسان وإشاعة قانون الغاب.

هكذا تم السطو على مهنة الحلاق الرائعة، وتم استعمالها في تحقير وإذلال وتشويه مواطنة من الشعب، تستحق الأمن والأمان مهما كانت درجة الاختلاف معها.

إن ما يقع في الجامعة اليوم، نبهنا إليه في أكثر من مناسبة، ويجب أن ننتظر الأسوأ، في غياب مقاربة شاملة تبدأ أولا وقبل كل شيء، بتوفير شروط تلقين الدروس العلمية والفكرية والتربوية داخل الجامعة، وإعطاء الأولوية لمستلزمات العيش الكريم لكل الطالبات والطلبة،  وإعمال آليات التكوين وتطوير القدرات والمهارات، وخلق مرافق الترفيه والتثقيف والرياضة. أما من لا زال يحلم بأمجاد الجامعة كفضاء للتنشئة السياسية، فلن يعيد إنتاج سوى ما يفعله الحلاق المتطاول على المهنة برؤوس اليتامى.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم