أقلام حرة

حاكم الهوى والريح

elmrazik almustafaعند رجوعي من منفاي الاختياري، منذ قرابة سبع سنوات، حاولت أن أعيد النظر في بعض المسلمات التي كانت تشكل عندي هاجس رعب وخوف من الحكم والحكام، وما كان بوسعي أن أحتفظ بهذا الغم لنفسي، أو أتحمل وحدي ما يضعه من مسؤولية جسيمة على كاهلي، والتوغل في خط الخطيئة، فتوجهت وأنا مثقل بهذا العبء الوازن، والأمل العظيم يراودني في زحمة المخاض، إلى روح العقل ومعالم البصر بعيدا عن أسى وشجن الجرح العميق.

كنت خائفا من مستقبل الأيام الآتية، ومن مخاطر الرجوع إلى الوراء وما يدفع به اليأس لصناعة حاكم يرغب فيه المشرق والغرب، ويقبل به أهل السياسة والتقنوقراط ببلادي. والغريب أن طبيعة هواجسي هي التي كانت تبعدني عن المواجهة التي كانت دائرة في فضائنا السياسي حول الخماسي المنحوس: الديمقراطية والفكر والحرية والعنف والقيم.

كان هناك تصميم مسبق وغريب من أجل إنهاك ما تبقى من الأمل، وتعويضه بحاكم يرعى الهوى والريح  ولا يتعب من خطاب الانجازات الوهمية والمهام التافهة التي لا قيمة لها ولا أثر لها  على أرض الواقع.

فكرت ساعتها فيما يصيب الأمة السياسية من حمق وأذى في غفلة الاقتراب من الاستحقاق لتعديل المسار وتغيير الطريق. جنون وفوضى لملئ الفراغ خوفا من العنف والفتنة والتطرف الأعمى، لكي لا يكبر الحقد والتعصب ونسقط في محنة دموية.

لم يكن لدي الوقت ولا الكفاءة لدراسة الرواسب التاريخية والوعي بطبيعة الصراع وطرح بديل ممكن لقطع الطريق على حاكم الهوى والريح ، كانت الفرص المتاحة غير ملزمة للأمة السياسية، ما دام رصيد تجاربها كان قد أصابه العياء والملل والصدأ من جراء  الجمر والرصاص، رغم الرصيد الشعبي الذي تحول بقوة الأشياء إلى قصص وروايات وأغاني لعموم اليائسين.

عنوان المرحلة كان هو تقويض تجربة حاكم الإصلاح والدفع بموازين القوى إلى درجة الصفر، والقفز على نخب الأمة السياسية وإغلاق نوافذ الأنوار.

 لم أجد أمامي سوى فرصة التفكير في جمع أحلامي والاستعداد للرجوع من حيث أتيت، متجرعا كأس هزيمة نكراء أمام حاكم الهوى والريح، وهو متربعا تحت شعار قدسية الجنة والنار وصدق النوايا وطهر الأهداف.

ولأن النار تخيفني، ولأن الرأي العام يحتاج لنظام ديمقراطي ولمؤسسات قوية ليرجح رأيي على حاكم الهوى والريح أو العكس، ولأن المجتمع الديمقراطي لا يمكن بناؤه عن طريق التخويف بالعقوبة وعدم تشجيع الفكر ولأمل والخيال، ولأن الخوف يولد القمع.. فالطريق الأفضل الذي وجدته أمامي، مرة أخرى، للإفلات من قبضة حاكم الريح والهوى، هو الانخراط في موجات السخط للحفاظ على وهم السلم الاجتماعي! في انتظار موعد السفر..

لم أكن في حاجة إلى دروس الدعم والتقوية، لكن ورفعا لكل التباس أو مغالطة، وقبل أن أفكر في الرحيل، قلت لابد من معرفة الحقيقة السياسية التي قادت حاكم الهوى والريح إلى السلطة، ولماذا هو بالضبط وليس غيره؟

صبرت وأنا أقاوم هذا السيل الجارف من الجراح والألم، ومطلبي ومعيشي هو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة.

وبعد، لم يكن يخامرني أدنى شك وأنا أتشبث بحقي في الكلام عن حاكم الهوى والريح، أن حرية التعبير آلية من آليات المشاركة السياسية، وتقودني من دون جواز السفر إلى المعترك السياسي، هنا أو/ وهناك، لأن المشاركة السياسية هي الوسيلة الناجعة لتحقيق الذات الفردية للإنسان، وكرامة الفرد تزداد بالاعتراف بحقه في المشاركة.

 

 المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم