أقلام حرة

شعوبٌ تقرأ وأخرى تزرأ!!

الكتاب هو الحدّ الفاصل مابين التقدم والتأخر، وهو الذي يحدد التباين بين المستويات والقدرات الحضارية للأمم والشعوب، فعدد الكتب المطبوعة في أي بلد هي المعيار الذي يدلك على قوته وطبيعة مجتمعه.

ومن الكتاب جاءت المكتبة، وكلما إزداد عدد المكتبات وترسخ دورها في الحياة الإجتماعية، فأنها تشير إلى رقي المجتمع وتقدمه.

ففي الدول المتقدمة تُطبع الآلاف من الكتب كل أسبوع، وفي الدول المتأخرة تُطبع بضعة عشرات كل عام.

وفي الدول المتقدمة تجد في كل قرية ومدينة ودائرة ومؤسسة هناك مكتبة، وأنت في المجتمع تجد طابورا من الناس أمام المكتبات العامة قبل إفتتاحها عند الصباح، وعندما تدخلها تراها تعج بالقراء والباحثين والدارسين من الأطفال والكبار،  فللمكتبة دور تثقيفي وتوجيهي، وهي مصدر للإجابة على أي سؤال، وفيها تعقد اللقاءات الثقافية والنشاطات الإبداعية بأنواعها.

وأبناء المجتمعات المتقدمة يحملون الكتب في جيوبهم وحقائبهم الصغيرة والكبيرة، وحتى حقائب النساء اليدوية لا تخلو من الكتاب، وتراهم يقرؤون في أي مكان تتاح لهم فيه فرصة القراءة، خصوصا في وسائط النقل العام.

إنهم يقرؤون في الطائرة والقطار والباص وعند محطات الإنتظار، بل ويقرؤؤن في أي مكان يحلّون به، لأن الأماكن تزدحم بما يدعو للقراءة والتأمل.

ومحنة الدول المتأخرة أنها لا تقرأ!!

فالذين يجلسون على كراسي السلطة لا يقرؤون، وجميع المسؤولين لا يقرؤون، ويتوهمون الدراية والمعرفة وهم أميون سطحيون، ويحسبون أنفسهم من العارفين وما على الآخرين إلا الإذعان لجهلهم المبين.

ولو سألت أي إنسان في مجتمعات هذه الدول عن كم كتاب قرأت هذا الشهر، لحملق بوجهك وتعجب من السؤال، وحسبك مجنونا!!

بينما الكثيرون في المجتمعات المتقدمة يقرؤون أكثر من كتاب في الشهر، فسلوك القراءة حالة متأصلة وكأنها الإدمان، فهم يتواكبون ويتفاعلون ويتطورون بجدهم وإجتهادهم المثابر.

وفي المجتمعات المتأخرة العلاقة ما بين الإنسان والكتاب مقطوعة تماما، بل وأصبحت الكتب لا قيمة لها ولا دور في الحياة العامة، لأن الناس منشغلة بما يغنيها عن القراءة والكتابة، فهي تعاني صولات القهر والحرمان والتكبيل بالحاجات، حتى لتكاد الأرواح تزهق من الويلات المتواكبة، وآليات الحكم المجحفة.

فهلاّ لشعوبٍ لا تقرأ أن تكون وتتقدم، وما دامت لا تعير إهتماما لكلمة "إقرأ" التي ضبحت بها السماء في غار حراء، فأنها ستشقى وتزرأ!!

فهل سنقرأ لكي نبرأ؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم