أقلام حرة

ليس دفاعاً عن الرئيس

hasan zayedقبيل اللقاء التلفزيوني يوم أمس الخميس 30 / 6 / 2016 م، مع الإعلامية المتألقة نهي عبد الوهاب، علي شاشة تلفزيون القنال، في برنامج صباح المحروسة، بمناسبة مرور عامين علي ولاية الرئيس السيسي. سألني أحد الأصدقاء: تُري هل ستتناول السلبيات، كما ستتناول الإيجابيات؟. السؤال صعب، خاصة فيما يتعلق بالسلبيات. الإيجابيات يسهل سردها، والتحدث عنها، فهي لا تخفي علي أحد، وإن كانت قد طوتها ذاكرة السمك عند فريق ممن يكرهون الرئيس ابتداءًا. إلا أن السلبيات غاية في الصعوبة، لوجود خلط  سواء مقصود متعمد مع سبق الإصرار والترصد أو غير مقصود  بين سلبيات فترة الرئيس السيسي، وبين ما ورثه من تركة فساد ثقيلة عن سابقيه. والحكم الموضوعي علي فترته  وفترة أي رئيس آخر تقتضي النظر بعين فاحصة فيما قبل فترته، باعتبار المعطيات الطبيعية التي ستحدد مسار العمل، والآليات التي سيعتمد عليها في فترة حكمه. وقد يكون البحث في هذه النقطة مدعاة للدهشة، وللتعجب، وقد يكون مدعاة للإستنكار من البعض . إلا أن هذا في رأيي نقطة الإنطلاق للتقييم الصحيح، لعلنا نجد تفسيراً لحالة التدني في مستوي معيشة المواطن المصري في الوقت الراهن. فلو عدنا قليلاً إلي الوراء، ونظرنا في معطيات ثورة يناير  سواء كانت أو ثورة أو مؤامرة  لوجدناها قد اندلعت في مواجهة منظومة سياسية تفرغت لإدارة الفساد في كل مجالات ومناحي الحياة . وقد ترتب علي هذه الثورة انهيار المنظومة في بعدها السياسي والأمني والإقتصادي، وحل محلها المجلس العسكري، الذي كان مجلساً لتسيير الأعمال، وحكوماته هي حكومات لإطفاء الحرائق. وساد البلاد حالة من عدم الإستقرار الأمني والإقتصادي . فعلي المستوي الأمني سادت البلاد المظاهرات العامة، والمظاهرات الفئوية  بما في ذلك تلك التي كانت تنظمها الجماعات الإسلامية  والوقفات الإحتجاجية، والإضرابات، وانتشار الجريمة المنظمة من قتل، إلي خطف، إلي سرقة بالإكراه. ونتيجة عدم استقرار الأوضاع السياسية وحالة الغموض التي صاحبتها، ونتيجة عدم الإستقرار الأمني والإهتزازات الإجتماعية التي واكبتها، جَبُن رأس المال كشأنه الدائم . وقد ترتب علي ذلك توقف معظم المصانع عن العمل، وتوقف العمل في المشروعات تحت التأسيس، وتقاعس النشاط الإقتصادي الخاص عن الإضطلاع بدوره، وتراجع دور العمل  إن لم يكن توقفه وانعدامه  عن تدوير عجلة الإنتاج . أضف إلي ذلك تراجع الصادرات، وتراجع الإستثمارات العربية والأجنبية، وتراجع  إن لم يكن توقف  حركة السياحة . وفي نفس الوقت لم تتوقف البطون والأفواه عن طلب الطعام، وطلب الملبس والمسكن . وقد نتج عن ذلك مزيد من التدني في الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن، إن لم يكن انعدامها، وظهرت أزمات طاحنة جعلت تعض في عظام المواطن، وتمتص نخاعه، كأزمة رغيف الخبز، وأزمة الكهرباء، وأزمة الغاز، وأزمة الوقود . وقد ضربت هذه الأزمات أسعار السلع، وخاصة الغذائية منها، بالإضافة إلي جشع التجار الذي يتبدي في أوقات الأزمات، وبعض الممارسات الإحتكارية . ناهيك عن انخفاض القوة الشرائية للجنيه  أي انخفاض قيمته في مواجهة العملات الأجنبية  مع ثبات الدخل النقدي للفرد. كل ذلك جعل دخل المواطن في مهب الريح . والمشكلة الأم لدي المواطن المصري أنه كان يعتقد أنه بمجرد الثورة علي النظام وإسقاطه، ستتحسن أوضاعه، وتستقر أموره، علي عكس الواقع الذي يترتب علي أي ثورة في التاريخ . ثم جاء نظام مرسي وفي ذهنه أن أيلولة حكم مصر إليه  هو وجماعته  جائزة من الله، وأن مصر غنيمة نتيجة انتصارهم علي مدار حرب دارت رحاها علي مدار ثمانين عاماً . فأضاع سنة من عمر مصر، كان فيها سائقاً أعمي، لعربة بلا فرامل، تتجه بأقصي سرعة، في منحدر . وقد جاء الرئيس السيسي  بعد الفترة المؤقتة للمستشار عدلي منصور وليس أمامه من أدوات للحكم سوي جهاز إداري مترهل فاشل فاسد، ومنظومة تشريعية متضاربة عاجزة فاسدة حاكها ترزية القوانين في العهود السابقة . ولم يكن أمامه إزاء الجهاز الإداري سوي خيارين . الخيار الأول: هو خيار شمشون، وهو يقوم علي هدم المعبد علي رؤوس من فيه . وهذا الخيار ينطوي علي صعوبتين: الأولي  أنه سيضيف إلي طابور البطالة طابورين أو أكثر . الثانية استحالة وجود جهاز بديل علي نحور فوري وآني . الخيار الثاني: الصبر علي الجهاز الحالي مع معالجة ترهله وفشله، ومحاربة فساده، دون اهتزازت فجائية عنيفة . وقد وقع الإختيار علي الخيار الثاني . كما لم يكن أمام الرئيس إزاء منظومة التشريعات سوي أحد خيارين، الخيار الأول: أن يقوم بإعلان حذف كل القوانين والتشريعات بجرة قلم، وأن يجري  علي نحو فوري وآني  وضع تشريعات بديلة . وهذا الخيار هو ضرب من الخيال، لأنه يؤدي حتماً إلي انهيار الدولة والمجتمع في آن معاً . أما الخيار الثاني: وهو الخيار الذي يعرفه فقهاء القانون وسدنته، وهو بعيد كل البعد عن الحذف أو الشطب أو الإلغاء، وإنما هناك آليات لإلغاء القانون أو تعديله، بالحذف أو الإضافة، في إطار قاعدة عدم سريان القوانين وما يطرأ عليها بأثر رجعي، إلا في بعض الحالات الإستثنائية، وذلك حفاظاً علي المراكز القانونية المكتسبة . وقد وقع الإختيار علي الخيار الثاني، حيث تم تشكيل لجنة قضائية لتنقية القوانين بالإبقاء أو الإلغاء أو التعديل أو التبديل . أضف إلي كل ما تقدم، موقف العالم الخارجي من ثورة يونيه، واعتبارها انقلاباً عسكرياً، سواء كان ذلك عن سوء نية أو حسنها، وما ترتب علي هذه المعاملة من آثار سلبية علي مجمل الأوضاع في مصر . هكذا تسلم الرئيس الأوضاع في مصر، وعلي من يريد أن يقيم فترة الرئيس فليقيمها داخل هذا الإطار، وعلي أساس هذه الأرضية . أليس كذلك ؟.

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم