أقلام حرة

حيـرة هــلال

hamid taoulostما أغربها من شعوب عربية، وأغرب بها من أمة إسلامية !!!  يجيء رمضان ككل مرة ليجدها وبكل إستعراضية علنية، متخلفة عاجزة، مشتتة الطاقات، مهدورة ِالإمكانات، مبعثرة المجهودات، متضاربة التوجهات، متنافرة الرغبات، ترزح تحت ثقل النكبات والإٌخفاقات، ويجدها وقد تفاقم تفرقها، وعظم تشتتها، وتجاوز جهلها كل الحدود، حتى غدت لا تستطيع أن ترى هلال هذا الزائر الكريم بعين واحدة موحدة!!! لا لأن السماء تلبدت بما يحجب الرؤى، بل لأن التلبد في عقول قيل في أصحابها " يا أمة ضحكت من جهلها الأمم". أمة بعضها صام والبعض الآخر أفطر؟؟ رغم ما يجمع بينها من هم وحلم وأمل واحد، بدأت طائفة منها الشهر الأبرك، بينما أرجأت بدايته طوائف وبلدان . سنيها صاموا وأفطرت شيعتها، أعلنت تونس الصيام وتنكرت له جارتها ليبيا، ونفس الحال بين المغرب وجارته الجزائر.

 أتى رمضان،كما كل عام، ليجد أمورا كثيرة بالأمة لم تتغير، وأن ثقافة الهزيمة لازالت شائعة في أرجائها، ومتحكمة في مواطنيها، بل زادت حدة ضعفها وتفرق أهلها، ومذلة أناسها، ومرارة إحباط رجالها، وضجر إنسانها، وصار لكل فريق منها شمسه، ولكل جماعة هلالها ومقدساتها في زمن ذاعت فيه وسائل الإتصال الرقمية اللاغية للفواصل الزمانية والمكانية، والهادمة للحواجز الثقافية والعرقية، بفضل الأنترنيت والفضائيات المخترقة للحدود والأسوار والخصوصيات، فكيف لأمة أن ترسم بشائر تقدمها و إزدهارها وهي عاجزة عن توجيد هلال صومها  وعيدها، أليس لها في مكة المكرمة هلال يكفيها بهدلة الفرقة والتشتت، مادمت مكة هي قبلتها ونبراسها ومركز عالمها ؟ .

صورة درامية لاتخلو من سخرية، أن لا يكون توحد هذه الأمة إلا مجرد قناعات مؤقتة تفرضها قضايا وأحداث سخيفة وهامشية كحجاب المرأة في فتاوى القرضاوية، والتي لا تلبت أن تزول بزوالها، في الوقت الذي تعجز وتتكاسل فيه عن هزم قابلية التشتت والتصدع المعششة في كيانها .

إن رمضان ينبغي أن يوقظ فينا صحوة التوجد، ويشعل جدوة معانقة التآخي، فالأمة مطالبة الآن وأكثر من أي وقت آخر بأن تدخل التاريخ بالتوحد الحقيقي الواقعي، لا أن تبتعد عنه بالتوحد الرومانسي المعتاد .

لقد آن الأوان لأمتنا إن هي أرادت أن تضمن كرامتها واحترامها وتواجدها، وترأب صدعها، أن توطد العزم بكل عناد وصدق وإرادة على لم شملها وجمع طاقاتها المشتتة، وامكانياتها المهدورة، وجهودها المبعثرة، وأن يكون رمضان المبارك فرصة تدشين إنطلاقة جديدة واعدة لبعث الأمل، وتعزيز حظوظ التحالف والإلتآم، وتجاوز ثقافة الهزيمة والشك في الانعثاق والتحرر، التي يفرضها صراع خفي ظاهره مذهبي وباطنه زعامي،فالعالم لا يعترف بالكيانات الضعيفة المشتتة، والدعاء وحده لا يصنع النصر كما يقولون ...

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم