أقلام حرة

المنامة (53): كراسي

mohamadtaqi jonيحملون أستاههم يبحثون لها عن كراسيَّ بحجمها، وكلما كبرت أستاههم كبرت رغباتهم وطموحاتهم بكراسي أكبر. إن الأستاهية قد استشرت فعلا، فصار كل ذي إست يكبر.. يكبر به الطموح هذا. وحين ساد الأستاهيون أعلوا الإست وانتصروا له على العقل والعقلاء، فتخلفت القحوف وتقدمت الخلوف.

كان ابن سيَّا يعيش هذا (الوضع) ويدري أنه ليس إلى (رفع) أبداً. وهؤلاء الاستيون يجلسون فقط، ويبحثون متطلعين الى جلوس أطول، وهذا يعني إدامة (الوضع). فكل أشكال السعي والنهوض مرفوضة من هؤلاء الاستاهيين الجلوسيين؛ لان السعي والنهوض يعنيان عدم (جلوسهم)!!

اذاً سيحل الخراب المعنوي بالكامل، وتبقى المظاهر العمارية ظواهر تخدع عن سعي ونهوض، ولن يسمحوا للزمن ولو قروناً أن يحقق نهوضاً حقيقياً لأنهم ببساطة يكرهون (النهوض). وعلة اختيار الإست على العقل هو عدم الحاجة إلى عقل يقود، بل الحاجة ستبقى قائمة إلى إست مضمون القعود.

ضل هؤلاء فظلّ كل شيء على حاله وعمَّ الخراب وخالَ. ان غاية ما أجادوه فجادوا به ملءُ الوقت بالكلام والوعود حتى ينفد تماماً، وتلك يعدونها عبقريتهم فبها أوجدوا وبها يبقون، فواحدهم يتكلم فلا يسكت الا عندما يتنفس فقط. وهكذا قتلوا الوقت الكثير وهو (كنز النهوض) و(ركز السعي) فهذه جثث الأيام والشهور والسنوات يعبث بها النسيان والتذكر المر معاً و(تعط) جيفتها.. وان جثث اليوم والغد ستتكدس فوق جثث الأمس بوعود وتسويفات جديدة، فهم لا يجيدون سوى لعبة إضاعة الوقت وتبديده ومطل الوعد وتمديده.

وتأوه ابن سيَّا قائلاً:

" لقد صرنا أو طحنا إلى حال الجميع يسعى إلى المناصب من دائرة الماء والمجاري إلى أعلى دائرة ومنصب في البلد، فترك الموظف عمله يتلصص خلف غرفة المدير ليوقع به ويجلس مكانه، وعاف الأستاذ غايته العلمية فحرَّض الطلاب على الثورة لاسقاط رئيس الجامعة بدلا من تحقيق قراءات أغلى ودرجات أعلى، وهكذا صعوداً الى المناصب الاعلى".

وأفأف: " لم يعد في النفوس منزع أمل وليس في الدرب انتظار. . . ستكبر الأستاه وتكبر، وتصغر الرؤوس وتصغر لنتحول من شعب ذي (خلفية ثقافية) تقدِّم إلى شعب ذي (ثقافة خلفية) تؤخِّر، ومن ثمَّ تصبح الغاية (القعود) (والهمود) و(الابود) ويلعن هذا البلد والشعب بالاستاهية الجلوسية، ولن (تقوم) له (قائمة).

وأردف "إن جنون الكراسي مشكلة كبيرة..أليس أحق بالكرسي من يستحقه فعلا، الذي يفيد الشعب والبلد والذي ينتظره الشعب والبلد".

وأطلقها إستية بحُلَّة شعرية:

رأسَك فاضممه أيا (ساهي)

                   واستكَ اطلـعْ وبه باهِي

وانظر إلى مسؤولك المرتجى

                   ذي (الإست) في عزٍّ وفي جاه

أنت بهذا العقل عبدٌ له

                   وهو بهذا الإست كالشاهِ

وأنت من خوفٍ بلا راحةٍ

                   وهو أمين واثق لاهي

تجوعُ خوفَ الجوع في قابلٍ

                   ودونَ جوعٍ يأكلُ الكاهي

ظللتَ تُعلي العلمَ يا مؤمناً

                   ضللتَ في إيمانك الواهي

ألمْ ترَ العقلَ غدا عاجزاً

                   و(العجزَ) صار الآمرَ الناهي

فاجلسْ على الكرسيِّ يا أهلَه

                   وقم بإصلاح وإنباهِ

وقل لكابوس جثا فوقه

                   قم، لست أهلاً.. أنت (أستاهي)

 

الدكتور محمد تقي جون

 

في المثقف اليوم