أقلام حرة

سلوكيات أفسدت على رمضان روحانيته وفلسفته !! (2)

hamid taoulostسر الروحانيات وجماليتها في هدوئها وسكينتها التي هي أساس كل علاقة بين العبد وربه، أما الضجيج الذي تعج به البلاد العربية عامة والمغربية على وجه الخصوص، والمرتبط عند أهلها بكل مناسباتهم السعيدة منها والحزينة حتى بات العرب، إضافة إلى كونهم ظاهرة صوتية، يعتبرون ظاهرة مناسباتية، تحولت مع بروز شبكات التواصل الاجتماعي إلى ظاهرة أخرى جديد هي "الـخدعة البصرية" المتمثلة فيما أصبح معروفا حتى بين عامة الناس بالـ" سيلفي " الذي بات الجميع يتبارون -وعلى مرأى ومسمع من الجميع – على التقاط صور لهم وهم يقومون بعباداتهم الصيام والصلاة، أو يؤدون مختلف أفعال الخير، من زكاة وصدقة وقفة رمضان وموائد الرحمان، وذلك للتباهي والتبجح بها على الـ"إنستغرام" و"تويتر" و"فيسبوك"وغيرها من وسائل الاتصال المتقدمة، التي مكنت الجميع من تصريف ضجيجهم بطرق عصرية، والتي تبقى في كل أحوالها وأشكالها رياء ونفاقا لا يصلح علاقة المرء بربه  ولا مع غيره من البشر الذين هم مرعمون بأن يألفوا الصخب والضجيج العربي، الذي قيل فيه الكثير من الأقوال والحكم التي نجح بعضها في وصف مدى قوة وتأثير الضجيج العربي وصفا بليغا، كقولة الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط التي قال فيها بأن "العرب كطائرة الهليكوبتر ضجيجها أكثر من سرعتها"، ومقولة المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي الذي عبرت عن حقيقة لا يختلف حولها إثنان بأن "العرب ظاهرة صوتية وعقول معطلة ليس لها من عمل تجيده حد التميز غير الضجيج والجعجعة بلا طحن ولا طحينا"، التي يبين التحليل السلوكي الاجتماعي أن سبب ديوعها في مجتمعنا المغربي، كما هوحال كل المجتمعات العربية، راجع بالأساس إلى مدى تغلغل الثقافة البدوية في وعي الإنسان المغربي الذي ما زالت أغلبية ساكنة مدنه لا تعير أي اهتمام لثقافة المدينة والتمدن، ولازالت البادية تمارس عليهم سلطاتها المنطلقة من الدوافع القبلية والمناطقية والطائفية البدوية ، فنجد أن الكثير من ساكنة المدن يتصرفون يوميا بالعقلية المتغلغلة في وعيهم الجمعي المشبع بتلك الثقافة غير المتمدنة التي حملونها معهم من البادية التي هاجروا منها، حيث لا حدود ولا حواجز تحد من تصرفاتهم وتحركاتهم التي تعج بالتناقضات والاختلافات في تصريف كل حاجياتهن في المجتمع المعاصر الذي يعيشون فيه، والذي لم يدخلوه بفكرهم وعقلهم، ويعتقدون خطأ، أن امتلاك السيارة رباعية الدفع، وارتداء اللباس "السينيي " وتشييد القصور والفيلات الفرعونية، كاف لإعلان دخولهم إلى العصر وفي العصر.

ومن باب الإنصاف، وجب علينا ألتماس العذر لعمدة إحدى البلدات الفرنسية الصغيرة المعروفة بهدوئها وسكينة أهلها، حين طلب من المسلمين القاطنين بها، أن يصوموا رمضان دون ضجيج، كما يجب علينا والإعتراف والتأكيد -بعيدا عن خلفياته أو مقاصده-  على أنه لم يخطئ، وأن  المخطئ الحقيقي هم أولئك الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا بسبب طلبه ذاك، الذين وجهوا له عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كل أنواع الشتائم والسباب، وحاكموه وحكموا عليه بجهنم، على أنه –عندهم- من الكفار الذين يحاربون الإسلام والمسلمين، ناسين أو متناسين أن الصيام ليس تطبيلا ولا نوماً طول النهار وسهرا أمام التليفزيون ليلا، وليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل، وليس نرفزة وضيق صدر وتوترا مع الناس، فالله في غنى عن مثل هذا الصيام، وهو يرده على صاحبه ولا يقبله، ولا ينال منه إلا الجوع والعطش، لأن الصيام الحقيقي هو التقرب لله بالعبادات التي لا تستقيم إلا بالخشوع، الذي لا يتم إلا بالهدوء والسكينة وطهر السجية وصفاء السريرة واستقامة الخلق، كما جاء في خطبة رسول الله  صلى الله عليه وسلم الأخيرة التي قال فيها: "طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصحت سريرته وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه"...

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم