أقلام حرة

حميد طولست: الله يخلينا على صباغتنا!!

hamid taoulostليس بالإمكان أن يبقى أحدنا في منأى عن دورة الزمان، أو يعيش بعيدا عن حتمية التغيير وجنونه وصلفه ؛ فالكل في تغير مستمر، وأن سنة العيش تفرض أن نتغير .. نتغير مرارا وتكرارا، حتى ننكر ذواتنا في صورها الأولى، التي كنا عليها قبل الآن .فكل شيئ في تغير وتبدل حتى الافكار والمواقف والقناعات يصيبها التغيير هي الأخرى، فإذا رجعنا إلى قصاصات الجرائد وما حملته من أفكار ومواقف القادة والسياسيين، وحتى جهابدة الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأعدنا قرأتها، فإننا سنقرأها كما لو كانت لبشر غير هؤلاء، مع أنها من إنشاء ذواتهم التي كانوها ذات زمان، ولم يبقو عليها اليوم بفعل ما أصابهم من تغير وتبدل .

نستفيق وقد تغيرت قلوبنا، وتصوراتنا، والقناعات التي كوناها عن العالم من حولنا، وبتغيرها هذا، تتغير نظرتنا للأشياء، ويتغير تفكيرنا في الأشياء، ويتغير إحساسنا بالأشياء؛ فالتغيير يجتاح كل شيء فينا إلا ذاتياتنا، فنشتاق إليها بلا حدود، ونحلم بريعها بلا حدود، ونخاف على فقد مكتسباتها بلا حدود، فنخطط كثيرا، ونفتعل التغيير كثيرا للحفاظ عليها بلا حدود .

 فكم إستفقنا صباحا لنكتشف أننا لم نعد نحب من كنا نحب، ولم نعد نكره من كنا نكره، وأننا كفرنا بما كنا نومن به البارحة من مسلمات، وأفكار وآراء، لتغيرها بتغير الظرفية المكانية، والمرحلة الزمنية التي نحياها .

فاعذرونا فهذه بعض طباع الناس بلا حدود، طباع ربما لم يلق عليها ضوء كاف أو لم يلق عليها ضوء على الإطلاق، لأنها طباع خاصة بمن يتمتعون بمقدار فائق المهارة على إخفاء إزدواجية السلوك وتعدد المعايير، رغم أنهم يمارسونها بتلقائية مباشرة جدا، وعلانية مكشوفة جدا، وتحت سمع الأعين، وبصر الآذان، فيبدون مثاليين في ما يقولون، وخاصة حينما يتعلق الأمر بمصالح الأمة في خطبهم البتراء وتصريحاتهم الصماء -عفوا العصماء - إنهم السياسيون و أشباههم، والعديد من المنتسبين لهم وكل من يسبحون في فلكهم، إنهم أولئك الذين ملأوا الدنيا وشاغلوا الناس بأحاديثهم عن الديمقراطية والتغني بممارستها، أولئك الذين سلطت عليهم من الأضواء ما أغشى الجماهير عن صلب سلوكهم كأشخاص عاديين والتي يكفي غضبة واحدة من أحدهم إذا ُمست مصالحه، أو بوح لسان أحدهم دون وعي منه  لنجد أنفسنا أمام واقع مناقض للصورة التي رسموها لنا عن أنفسهم .

  فاللهم غشنا الرحمة، وارزقنا العصمة من هذا التغير، وطهر قلوبنا من آفات هذا التبدل، آمين يا رب العالمين أنك على كل تغيير قدير.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم