أقلام حرة

حيدر عبد علاوي: مفوضية الانتخابات وسياسة كبش الفداء

قبيل كل إستحقاق انتخابي، يدخل العراق في ضجة تضاف الى مجموعة مشاكله العالقة والمعقدة، وعندما تكون البلاد بطبيعة الحال غير جاهزة على مستويات عدة لمتغيرات قد تطال المجال التمثيلي في البرلمان، وكذلك حجم وقوة حزب أمام آخر وطائفة امام آخرى، ولان الاحزاب السياسية الحاكمة والمتنفذة في البرلمان والحكومة اكتسبت خبرة جيدة في ادارة الملفات السياسية وتدويرها، فإن سياسة (خلق الازمة) كانت احدى الوسائل التي تلجأ اليها هذه الاحزاب لعبور وتدوير أي مرحلة قد تكون الاحزاب نفسها غير جاهزة لاجتيازها، ومن خبرة وتمرس هذه الاحزاب هو فن اختيار وقت ونوع الأزمة وملاءمتها للحدث والحادثة ...

من هنا تبرز أزمة مفوضية الانتخابات وتأخذ بالتصاعد والتفاعل حتى تنضج كطبخة سياسية وتكون جاهزة لتمرير وتنفيذ المطلوب ...

ويدخل المحللون السياسيون في حوار وقراءات قد تصيب او تخطئ، اين تكمن المشكلة في خلق ازمة مفوضية الانتخابات في هذا الوقت والاستحقاق الانتخابي على الابواب، هل المراد حقاً تشكيل مفوضية جديدة بعيداً عن المحاصصة الحزبية والتي تولدت نتيجة انتخابات ٢٠١٠، وان هذا البرلمان الموجودالذي جاء بإنتخابات ٢٠١٤ لم يكن له رأي في تشكيل هذه المفوضية او على الاقل البعض من كتله المهمة لم تمثل في المفوضية ...

ام ان السبب يعودالى الوضع العام في البلاد وطبيعة الحرب على الارهاب وتخاذل الخدمات اما انهيار اسعار النفط وسياسة التقشف التي خيمت بضلالها على إقبال المواطن وتعاطيه مع العملية الديمقراطية واتساع الفجوة بين الاحزاب وقواعدها الجماهيرية، مما يعني ان الوضع الديمقراطي ووجهه الفني - (الانتخابات)، بحاجة الى ترميم وانعاش للتقليل من الخسائر المحتملة لنتائج الانتخابات ...

وهناك سبب قد يكون مهماً، وهو مهم بطبيعة الحال اذا ماعلمنا ان العملية الانتخابية مكلفة مادياً وتحتاج الى ميزانية كبيرة لتدارك نفقات درجت عليها المفوضية والاحزاب بمرشحيها لانجاز الانتخابات بصورة متكاملة ووفق المعايير الدولية، فإذا ماعلمنا ان الدولة عجزت عجزاً تاماً عن الايفاء بالتزاماتها المالية امام الخدمات وتوقف مشاريع مهمة خدمية واستثمارية، وكذلك العجز عن دفع مستحقات الديون الداخلية والتي هي بالنتيجة سيكون لها الاثر السيئ بالنسبة لسمعة ورصيد الاحزاب المتصدية لادارة الدولة وحكومتها، فالراي عندهم اننا قد نجازف بخوض انتخابات مجالس المحافظات في هذه الظروف العصيبة وان خسارتها ستكون مقدمة وهاجساً لخسارة افدح قد تلحق بهم في انتخابات البرلمان التي ستجري بعدها بعشرة اشهر، وبالتجربة فإن من يفوز بمجالس المحافظات سيفوز بالبرلمان، وهذا ماحصل لقوائم دولة القانون والمجلس الاعلى والاحرار حيث كانت نتائج مجالس المحافظات تمثل مقدمة ونذر لنتائج انتخابات البرلمان وبحسابات النسبة والتناسب فإن المعدلة بالنسبة لهم في ضوء ماقدمنا تعد مغامرة ...

وهناك سبب يدرجه المحللون بخصوص موجة او موجات التظاهرات التي تتالت طيلة عامين، وماتركته وتتركه على الشارع الانتخابي وتجاسر الجماهير وصوت المرجعية (المبحوح) امام العجز التام للحكومة في الاصلاح والقضاء على الفساد والمحسوبية والمحاصصة ...

وبغض النظر عن الاسباب الوجيهة سياسياً كما قدمنا، فإن الاحزاب لن تسمح بإجراء انتخابات مجالس المحافظات في ظل هذه الظروف وغيرها ...

ويبدو ان للمرجعية وان كانت في السنين الاخيرة قد غيرت من نبرة صوتها وأسمعت الكتل والاحزاب والحكومات قارس الكلام وشديده، فإنها لن تقف عند ذلك الحد، فالاحزاب تدرك ان المرجعية التي استطاعت التدخل في اللحظات الحرجة وحسم الامر في النهاية لصالحها كتغيير المالكي وفتوى الجهاد، فإنها ستتدخل في الانتخابات القادمة وان كان بطريقة غير مباشرة والمنبر الحسيني الذي كان داعماً ومؤازراً لبناء المؤسسات السياسية والديمقراطية اصبحت هذه المواقف من الماضي الذي مضى ولن يعود، وان المرجعية لن تكون محايدة عندما ترى وسترى ان البلاد وانتخاباتها ستسحب الى سياسة الامر الواقع وابقاء القديم على قدمه ...

نخلص من ذلك ان مفوضية الانتخابات هي افضل كبش واغلى من اي كبش اخر، وان نصراً حققه الابطال على داعش في الفلوجة لن يشفع لحكومة فشلت في لم الشعث وبناء الاقتصاد، وترميم جروح ودمار ديكتاتورية جثمت على صدر الوطن والمواطن ..

ان الهجمة ضد المفوضية، لن تكون الاخيرة، وان حمى التمسك بالسلطة والاستحواذ على مقدرات البلد وخيراته تجعل كل شئ مرشحاً ليكون كبش فداء لتمرير اي مشروع او تحويل الانظار عن اي مشكلة او فضيحة ...

الى الغد وحظ طيب بأقل الخسائر لكبش الفداء الجديد ...

 

في المثقف اليوم