أقلام حرة

عماد علي: الفدرالية الحقيقية تقلل من تاثير سلبيات المحاصصة في السلطة العراقية

emad aliتاريخ العراق منذ تاسيسه، مليء بالاجحاف بحق مكونات الشعب العراقي وفي مقدمتهم الكورد في مراحله المتتالية. واقع الشعب العرقي متعدد الشكل وموزائيكي التركيب منذ الازل، اي لو تصفحنا تاريخه، فانه عاشت على ارضه اقوام ومكونات مختلفة وان استاصلت بعض منها من جذورها او بقت مؤشرات لتاريخهم القديم، وهو بلد حضارة ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين)، والتغييرات التي حدثت فيه كانت نتيجة توجهات وسياسات السلطات التي حكمتها وفق خلفياتهم الفكرية الدينية قديما. بعد تكوين الدولة وتجسيداعمدتها، اعتمدت على الايديولوجيات واكثر مراحل حكمها في العصر الحديث كانت مستندة على التعصب القومي وان كانت باسماء وعبارات مختلفة؛ ومنها فترة الادعاء بالاشتراكية ايضا، ولم تكن في مسيرتها الا سلطات قومية عرقية تدار بحلقة

صغيرة، سواء كانت اسسها ومبادئها التماسك العائلي او العشيري او الروابط  العرقية على ارض الواقع وان كانت بادعاءات مختلفة كما قلنا  .

هذا الواقع فرض ما لا يمكن ان تنتج منه العدالة والمساواة والمواطنة الحقيقية والمشاركة الفعالة لادارة الدولة من قبل كافة المكونات منذ بزوخ فجر الدولة العراقية التي نعلم جميعا كيف تاسست وباي هدف واية مصلحة استرعيت  فيها وباي تخطيط كان، هنا ليس مكان ذكره بالتفصيل المعلوم. ما نقصده، اننا ومنذ العهد الملكي والى ان وصلنا الى الزمن الجمهوري وما مرينا بالانقلابات والتحركات وما كان وراء الكثير منها اهداف ودوافع خارجية اكثر من داخلية ، الى ان وصلنا لحكم الدكتاتورية وهي قمة التعنت والطغي والقمع الذي مورس في جمهورية القسوة والصمت والخوف حقا كان العراق بلد اللامساواة والعدل والاجحاف والاجحاد ايضا .

مختصر القول هنا، ان الدولة فرضت نفسها بالشكل الذي خطط لها الاخرون خارج الحدود وثبتوا اركانها وحدودها رغما عن الشعب، وسار الشعب بطرق متعرجة بما لاقت اكثريتهم من الغدر والمظلومية وتعرضت اجيال للظلم والتعسف، وماتوا او قتلوا اثر ظنك العيش او غدر السلطة او عند زجهم في الحروب المدمرة  .

الشعب كما نعلمه على حقيقته، ليس بالمستوى الثقافي المثالي الذي يمكن ان يصحح مساره الخاطيء بنفسه، بل ما تعرض له طوال تاريخه فرض على افراد المجتمع صفات سلبية كبيرة اقحمته في زاوية العيش الذليل في العقد النفسية الجماعية الدائمة بعيد عن العيش بحرية والاحساس بالذات والتكامل، بل انه عانى من الاحساس بالنقص طوال سنين طويلة من حياته، فاصبح ملكا للسلطة، بمعنى؛ انه وتحت سياسة الانظمة الابوية الراعية واقتصاده الريعي والذي يضعه تحت رحمة السلطة الموجودة على الدوام وهي اصبحت صاحبته ومقررة مصيره والمحددة لمساره، على العكس من الدول المتقدمة التي تكون السلطة ملكا للشعب وهو صاحبها ومقرر لمصيرها ويغيرها متى ما شاءت حسب سياساتها واقتصادها غير الريعي المعتمدة على الضريبة التي تاخذه من المواطن الذي يحس بانه صاحبها ومقرر مصيرها  .

اي شكل ونوعية السلطة هي السبب الاساسي في التباين في مستوى معيشة المكونات المختلفة للشعب العراقي، اضافة الى تاثيرات وتداعيات ومتطلبات خلفياتهم القومية الدينية المذهبية المختلفة . وصدقت  بعض السلطات السابقة المنفتحة الصريحة في تقييمها وتصريحاتها حول الموجود ووصفها بعدم وجود شعب متكامل المعالم والاسس، واقرت بوجود قبائل وعشائر واديان ومذاهب فقط بعيدا عن معنى ومضمون الدولة الحقيقي، والانتماء الثابت هو للقبيلة والعشيرة والدين والمذهب طوال هذه السنين من عمر الدولة العراقية، وان غطتها اغبرة الادعاءات اللفظية لبعض السلطات وما ارادتها من فرض ما يحلوا لهم بالقوة وليس بما موجود على ارض الواقع .

اي، على الرغم من وجود الدولة بمقوماتها الاساسية الا انها ليس لها شعب متماسك الاطراف وليست هناك روابط لاضفاء صفة ما يمكن ان اقول بانها تفرض تسمية مفهوم الشعب عليه . هذا ما يدفع القول الى ان الواقع السياسي الاجتماعي الثقافي الاقتصادي الذي يتمتع به العراق يتلائم في الوقت الحالي بالنظام الفدرالي الحقيقي المتمتع باللامركزية المبنية على العلاقات الطبيعية بين الاقاليم والمحافظات وبالنظام الاتحادي ذات صلاحيات عامة تفرض عدم فرط عقد الدولة او حدوث الفوضى في اي وقت كان .

ان المحاصصة على الرغم من سلبياتها وكما نعلم هي مقيتة بالفعل، الا يمكن ان نقول بصريخ العبارة،  انها هي القريبة من العدالة في توزيع السلطات،على الرغم من وقوف الاكثرية ضدها لفظا فقط والمطالبة بها تطبيفا، ولاسباب عديدة :

*ان مكونات الشعب العراقي ليست بنسبة متساوية في الحجم والهيمنة والثقل كي تفرض العدالة في المشاركة لجميع الفئات على حد سواء في السلطة الاتحادية  لو كانت بعيدة عن المحاصصة .

* الثقافة العامة والوعي العام ليس بشكل وقوة وهيمنة بحيث تفرض التساوي والعدالة الاجتماعية ويمكنها ان تمنع الغدر واللامساواة، بل طالما اعتمدت حتى الديموقراطية بشكلها الناقص الموجود، فان الغدر والاجحاف سيكون سيد الموقف والحال .

*ان الاكثرية والافلية في ظل الوعي العام المنخفض، وبعد كل هذا التاريخ من النزاعات وما تكمنه وتضمره المكونات من الحقد والثار والضغينة، فلا يمكن ان تسيطر العدالة والحق على زمام الامور، وسيكون المسيطر هو الحاكم المطلق على ارض الواقع مهما كانت الانظمة متسمة بشيء من اسس اليموقراطية ومتشحة بمبادئها .

اذن، الحل يكمن في تطبيق الفدرالية الحقيقية المستندة على اللامركزية في ظل المؤسسات الاتحادية بسلطات منقسمة على كافة المكونات، وان بقت المحاصصة فلا تكون لها تاثيرات متباينة كبيرة ومضرة على المجتمع، لانها الدولة الفدرالية وباقاليم اصحاب السلطات التنفيذية التشريعية الملائمة لها، ستزيح ما تفرزه المحاصصة من المركز، وان بقت المحاصصة كما نعتقد انها ستبقى مهما حاول البعض من العمل على تخفيفها، فان الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي والثقافة العامة والمتوارثات هي التي ستفرض هذه المحاصصة مهما كانت محاولات النظرية لتقليل من شانها . لان الاختلافات الجذرية في كافة جوانب حياة المكونات المختلفة ستفرض عدم الثقة في ظل اي نظام او سلطة حتى وان تريد ان تكون مؤسساتية، بينما تُدار بمثل هذا الشعب وبهذه السمات والمواصفات . اي ستكون الفدرالية الحقيقية هي العلاج الحقيقي لمنع تاثير السلبيات التي تفرزها المحاصصة المركزية، اي بقطع مدى تنفييذتها والتقليل منها تدريجا لصالح الاقاليم في ظل بقاء النظام الاتحادي بصلاحيات معينة لبقاء كيان الدولة ستسير الدولة نحو العدالة الاجتماعية .  

 

في المثقف اليوم