أقلام حرة

عماد علي: هل تُدشن حقبة عثمانية ام اوردغانية جديدة؟

emad aliالجميع على دراية بالحقبة العثمانية وكيف امتدت وسيطرت طوال حوالي خمس مئة عام على هذه المناطق الشاسعة في العالم، وحكمت باريحية تامة بعد السيطرة عليها اعتمادا على الديانة والمذهب وفرض الولاة، وتمكنها من ضمان تبعيتهم رغم بعض الارتدادات والفوضى هنا وهناك طوال تلك القرون من سلطتهم السلطانية . والنقطة الاكثر اهمية لبيان عوامل نجاحهم هو ظروف الحياة العامة للناس ومستوى ادراكهم وتخلف واقع المناطق التي اجتاحوها وكسبواعطف شعوبها بادعائاتهم الدينية المذهبية، من اجل تحقيق اهدافهم الخاصة . الجميع على دراية على ظروفهم وكيف استمدوا من خيرات تلك المناطق بعقلانية ومهارة وحيل واتبعوا بعضا من اللامركزية عند تاكدهم من السيطرة التامة، الا ان الرجل الاول في كل ولاية اي الوالي كان من شان المركز وكانت صلاحياته دائما فوق الجميع . الوضع الاقتصادي لتلك الرقع الشاسعة لم يكن بحال يمكن ان تكون هناك بينها وبين المناطق المجاورة روابط او تلاقي حتى، عدا التجارة التي كانت في وضع تبادل السلع وليس بالتعقيد المشهود له اليوم الذي تفرض التداخل بين كافة دول العالم وما تفرضه الايدي العاملة واختلاف  في اجورهم، والتقدم الحاصل لجوانب كثيرة من حقوق المواطن والعمال بشكل خاص التي لا يمكن هضمها والتراجع عن ما حصل عليه طوال هذه السنين من نضالاته . الجانب الثقافي والعقلية  والروابط والمباديء التي تعتمد عليها الشعوب في مسيرتهم الحياتية لا يمكن ان تتشابه اليوم بما كانت عليه ابان الحقبة العثمانية، اي التغييرات الجذرية الحاصلة في كافة جوانب حياة الناس بما فيهم الشعوب في تركيا بلد الام للعثمانيين، لا تدع فرصسانحة ومتوفرة اليوم امام اردوغان كي يعيد تجربة العثمانية نصا بالشكل الذي يعتقد انه قادر عليه .

ان ما يستند عليه اردوغان من النواحي الفكرية الفلسفية واقتحامه الجانب الديني كاحد اهم الوسائل التي يمكن ان يسيطر به على زمام الامور داخليا في بلاده، لانه استغل الفوضى والتقاطع الذي حصل في بنية الشعب التركي الفكري الفلسفي نتيجة فرض العلمانية طوال هذه المدة عليه فوقيا، دون التطور التدريجي السلمي المقنع، اي بالقوة العسكرية، مما حدا بالمواطن ان يعيش في دوارة معتقداته العلمانية والدينينة دون ان يحسم امره بين الاثنين، اي العلمانية التركية من حيث المظهر دون التعمق والوصول الى عمق العلمانية بمضمونها غير القابل للتراجع، فوجدت الفرصة لعودة اللاعلمانية بشكلها الحالي وفرض التراجع، وهي مستمرة لحين الوصول الى المربع الاول ومن ثم تبدا الخطوة الصحيحة الاولى في التحولات والبدء في المرور عبر مرحلة سادها التشويش الى اخرى بشكل طبيعي، ولم نجد التحولات الطبيعية الناجمة جراء التطور الطبيعي على الارض الذي يفرض بذاته التغييرات المرحلية . اي لازالت تركيا في مرحلة لاعلمانية وعلمانية مشوشة مفروضة فوقيا بقوة السلاح غير متواكبة مع التطور اللازم في العقلية والخلفية الفكرية التي يجب ان تصاحب عقلية بناء الشعب التركي . وعليه تمكن اردوغان وقبله اربكان ومعهم غولن وغيرهم من استغلال الواقع لاهداف سياسية . اي عدم نضج المرحلة وفرض الخطوة الاجبارية ادى الى ردود افعال استغلهاهؤلاء بشكل عقلاني ومن خلال تقيم الواقع ومتطلباته مستغلين فجوة عدم التكامل وعدم النضوج .

 هذا داخليا، اما على صعيد المنطقة والاقليم والعالم الاسلامي، فان القوى الاسلامية التركية تريد استغلال الدين والمذهب كما تفعل ايران منذ مدة طويلة من اجل وقوف صدامنيعا  اماها، وتكون هي الرائدة والمشرفة على ما يمكن ان تكون الكتلة التي تفكر بها لتكون بمثابة رقعة عثمانية جديدة بمضمون وشكل مختلف يلائم العصر وما فيه، لتصبح هي المستفدة مرة اخرى من ما تملكه المنطقة . غير انها لم تقيم الواقع الجديد جيدا وهي لم تحسب لما تتلقاه من مجابهة مع مثيلاتها الكثيرات في هذا الامر، وهم ايضا متربصون في تحقيق الهدف ذاته بطريقة وشكل اخر، بعد ان اكتشف النفط وبرزت قوى جديدة في مساحة ارض العثمانية القديمة وتكونت دول ذات شان لا يقل عن تركيا العثمانية في حينها، وهي الان تنافس تركيا في جميع الجوانب، وليس من مصلحتها ان تترك الساحة لتلعب تركيا لوحدها ابدا .

اذن، لم يبق امام اردوغان فرصة التفكير لاعادة امجاد آل عثمان في الوقت الذي برزت فيه العوائل الحاكمة من آل سعود وآل راشد وآل نهيان وآل حميدان وآل قابوس وردد ما تريد من كل تلك الآلات التي تحكم وهي بمثابة بديل للعثمانية وآل سلطان في هذه البلدان . اي الواقع يفرض ان يسير اردوغان كاردوغان وبفكر وفلسفة اردوغانية خاصة لا يمكن ان يعبر بها عتبة الحدود التركية، وان لم يسمها بالاردوغانية، ويمكنه ان يسيطر على تركيا داخليا وتبعدها عن اوربا بخطواتها ومتاهاتها، ولا يمكن الا ان تكون تركيا الاردزغانية خلال ربما العقود القليلة القادمة، وهي  مرحلة انتقالية  ايضا لحين الوصول الى العلمانية الحقيقية، بعدما يكتشف الشعب زيف ارضية ما يبنيها اردوغان للتحكم بالبلاد دون ان يفكر في المستقبل البعيد لبلاده .

اننا على اعتقاد بان مرحلة فرض العلمانية العسكرية قد نفذت مدتها،  والان بدات الاردوغانية الخاصة التي لا مثيل لها وربما تكون خليط بين الدينية العلمانية السلطانية التي تلائم تسميتها بالاردوغانية حقيقة،  لا تمر اية دولة بما تمر به تركيا الان من حيث الحكم، اي انها سابقة تاريخية لنوع السلطة، وانها مرحلة ما بعد العلمانية التي من الممكن ان نسميها غير المتكاملة او المغشوشة وما جلبت بعد اكثر من ثمانين عام من ما فرضت التوجهات الدينية نفسها والتي هزت عرشها، والان تدخل في مرحلة الحكم المزيح لما قبله لتبدا مرحلة جديدة لا تمت بصلة بما قبلها، ولكنها لا يمكن ان تستمر وتكون هذه المرحلة نهاية التاريخ التركي بل ستكون نهايتها المرئية  التي تصل الى ضفاف المرحلة وما تبدا بعدها المرحلة الجديدة، وان كانت بعيدة بعض الشيء . وبه تُزاح المرحلتين وتبدا المرحلة الحقيقية بولادة طبيعية وليس كما حدثتا قبلا بعمليات قيصرية وبولادة مشوهة ايضا .

 

في المثقف اليوم