أقلام حرة

احمد الحاج: رحمك الله ابا عمر.. لم تكن ولا قلمك ظهيرا للمجرمين!!

ابو عمر ..كاتب من الطراز الأول يجيد كل فنون الكتابة والأدب" العمود الصحفي .. المقال الساخر .. افتتاحيات الصحف والمجلات ..كلمة رئيس التحرير .. الخطابات ...المقال الطويل .. التقرير ... المقال النقدي .. ترجمة السير الذاتية .. الأبوذية الهادفة ..الدارمي السياسي اللاذع ...الشعر الحر .. العمودي، فضلا عن كونه رسام كاريكاتير متميز وهادف وصاحب مضمون عميق وأصيل غير دخيل (يعني مو بس تشويه وجوه وتطويل خشوم وأذانات وأطلع كبل) إلا أنه لم يأخذ حظه من كل هذه الفنون كما يجب، بمعنى - سبع صنايع والبخت حيل وكلش ضايع - فعاش فقيرا ومات فقيرا رحمه الله .

 ابو عمر توفاه الله قبل خمسة أعوام خلت تقريبا وليس الآن كما تظنون، إلا أنني تذكرته وبقوة اليوم بعد سماع قوله تعالى بصوت المنشاوي : " قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ "، فلطالما كان يكررها صباح مساء، يوميا، وحين سألته ذات مرة مع انني أعلم غايته من ترديد الدعاء ولكنني مشاكس واعشق المشاكسين، ( شنو ابو عمر، يظاهر ما حافظ غير بس هذه الآية الكريمة الرائعة)، قال وكما توقعت (أرددها كي لا يخونني قلمي لحظة ضعف أو ساعة فقر، أو دقيقة جوع، أو ثانية حاجة ماسة، أو أسبوع حرمان، أو شهر ألم عارض، او عام رمادة، فأعمل مع أو لصالح الظالمين والمجرمين والفاسدين والمفسدين وأدافع عنهم وأنافح عن مثالبهم وما أشد إغراءاتهم المادية والمعنوية، بخلاف "جماعتنه " على صلاحهم وطيبة قلوبهم وحبهم لبلدهم ..مفاليس " .

ابو عمر كان وكلما رزقه الله رزقا حسنا وحلالا من الكتابة يقول  "فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"، وكان كلما وقع بصره على أمرأه حسناء يدعو فيقول " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ  إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"، ولطالما كنا نسهر سوية حتى الصباح الباكر، نكتب، نتحاور، نتناقش في شتى المواضيع التأريخية والفلسفية والثقافية والسياسية والصحفية وأذكر انني دعوت ذات يوم فقلت " رَبِّ اغفِر لِي وَهَب لِي مُلكًا لَا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِن بَعدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ" .

قال: " يا أخي بس هذا دعاء خاص بنبي الله سليمان عليه السلام "، قلت " مادام قرآنا يتلى آنا ء الليل وأطراف النهار الى يوم الدين فهو دعاء عام لكل من في الأرض من المسلمين وليس خاصا !!" .

قال: ولكن كيف سيختصك الله بملك لا ينبغي لأحد من بعدك ؟؟

قلت: ألم يختص بصرف النظر عن رأي الناس بشخصه او بنيته " مع او بالضد " الإعلامي منتظر الزيدي، من دون خلقه بضرب رئيس الولايات المتحدة بحذائه ؟؟انه ملك لم يتكرر من قبل ولم ينبغ لأحد من بعده والله اعلم بالصواب .

قال : سؤال، أليست أنانية ان تدعو بعدم تكرار نعمة انعمها الله عليك لآخرين من بعدك؟

قلت: قال المفسرون، ان الملك ملكان، ملك مأخوذ بالغلبة والجور واختيار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله تبارك، ولا ينبغي لأحد من بعدي معناها  مصروف عن الأولى وهي الغلبة والجور واختيار الناس، او أعطني ملكًا لا يمكن لأحد من بعدي أن يَسلُبه مني لأن التأريخ سجل ووثق ودون بأسمى وانتهى الأمر " وليس معناه أنه " يريد ألا يحصل أحد على كرامة أو نعمة مماثلة من بعده،" .

مات ابو عمر رحمه الله وبقيت احث  الخطى  قدما من دونه وحيدا في طريق شائك طويل ولكن على خطاه ولساني يردد ما حفظه وردده: " قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ " وعلى كل الصحفيين الشرفاء وطلاب الحق والمدافعين عن المظلومين والمتصدين للباطل ان يرددوه صباح مساء كي لا يتركوا لأصحاب الشر منفذا يتسللون إليهم من خلاله لشراء أقلامهم وضمائرهم وذممهم، وحسبي ابا عمر انني كنت جليسك أياما فتعلمت في مدرستك الكثير وها آنا اقلدك من باب :

إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا ** إن التشبه بالكرام فلاحُ

 

 

في المثقف اليوم