أقلام حرة

عماد علي: تبعات الاختلاف بين الشرق والغرب

emad aliعاد صديق مغترب في احدى الدول الاوربية الى كوردستان وفرحنا بعودته ولم يكن امامي في هذا الوقت العصيب الذي تمر به كوردستان اقتصاديا الا ان اتحمل ما يكلفني ماليا (ارجوا ان لا يقرا هذا الكلام) في هذه المرحلة من الازمة الاقتصادية التي نمر بها . تناقشنا ووصل لحد الجدال حول المواضيع العديدة ومنها السياسية . قبل ان نستهلل كلامنا عن السياسة، كان يتكلم عن ما يجري في اوربا وتعامله مع الامور وما هو يتبعه في حياته وقبوله للاخر بصدر رحب وان اختلف معه، ولم يبق امامه اختلاف اللون والجنس والعرق وو وامور كثيرة اخرى، انه وصل الى عقلية الفكر الانساني للتعامل مع الاخر ويفكر من زاوية ما يهم الانسان فقط . وفرحت لما ابداه من اراء وكلام  حول ما كنا نتكلم به قبل عقود ايضا وفي ايام الجامعة وكيف اختلفنا على مجرد راي او فكر او عقيدة او حتى سلوك وكنا في حينه من تنظميات عصبة كادحي كوردستان وشاركنا معا التظاهرات والاعتصامات  . واهم ما اهتممنا به هو الكتب التي تبادلناها ومن المحتويات المتشابهة اي اليسارية بشكل عام .

اهم ما لفت نظري هو تشدقه بانه وصل الى حال يتقبل الاخر المخالف في بلده الاوربي ويتعامل معه بكل احترام، وانتقد الايام التي كنا نختلف ونبتعد ايام عن البعض بسبب الاختلاف مجرد لراي او توجه غير متوافقين فيه، وسرد الكثير من الكلام عن ثقافة الاختلاف والتعامل مع الاخر بكل اريحية وليس من المقبول الان ان يتصرف الشباب بسلوكنا نحن الجيل القديم . وما لاحظه عند عودته ان الكبت مسيطر على الشعب والخنوع والمذلة وصلت الى مستوى ما تعرضنا له ايام الدكتاتورية البعثية ولم نتحمله في حينه وقدمنا ما قدرنا عليه ولكن اليوم لم ير افعال ونشاطات تدين الوضع وتضغط على المتسلطين لتغيير الواقع المزري المفروض على الناس من قبلهم ونتيجة خلافاتهم السياسية فقط .

وصل النقاش الى من هو السبب وتقع المسؤلية عليه قبل الاخر، فقلت ان الاحزاب كافة وبنسب مختلفة تتحمل مسؤلية ما نحن فيه ولا يمكن ان تحل المشكلة مجرد بالضغط على طرف واحد دون ان يتحمل الجميع المسؤلية ويتحركوا وفق ما تفرضه المرحلة وحساسيتها ومتطلباتها وان يضعوا امام العين الوقت، وعمل اي شيء متوازن والتنازل للبعض كي لا تذهب هذه الفرصة النادرة سدى دون ان نحصل على ما ضحينا من اجله، ومن ثم ننتظر عقودا اخرى كي تاتينا فرصة مماثلة، هذا ان اتت. فتشبث الاخ برايه وقال، انه طرف واحد وليس هناك الحل الا باخضاعه باي طريقة كانت وحتى باستعمال القوة كاحدى الخيارات . تعجبت لامره وكلامه المتناقض مع ما قاله قبل سويعات فقط من نقاشنا هذا، وقلت انك تؤمن بحق الاخر في الاختلاف وما يؤمن بانه يحافظ على مصلحته وهذه عقليته مهما كان على خطا او صح . وانه بسلوكه يضر بهذه الامة العريقة المثقفة الواعية في هذه المنطقة فقط حسب رايك، ولا يمكن لهؤلاء الذين كانوا سببا في فشل كل الثورات ان يفشلوا هذه التجربة ايضا، وليس امامهم الا الخضوع للاصح، نعم ووافقني بكل قوة. قلت كيف تفعل دون ان تتضرر التجربة ويحترق معهم الاخضر واليابس ؟ فكر قليلا، وقال ان لم يفد معهم التوافق والتفاهم فبتقسيم كوردستان الجنوبية ننجح ونبني تجربة ناجحة عندنا، ونحث المنطقة الاخرى على العمل من اجل التحرر من ربق العائلة دون ان نخسر نحن شيئا .  قلت هذا كلام نظري وكيف يكون ذلك غير التقسيم وفرض التبعية وفشل التجربة من اساسها . قال؛ فلنبني اقليم مستقل وتابع للعراق لمدة ونحسن وضع الناس ومن ثم يبدا النضال من اجل الاستقلال في اقرب فرصة . وقلت والجانب الاخر، قال؛ فما لنا ولهم اننا نعيش في منطقة مستوى الوعي والثقافة تختلف عن الاخرى لدى هؤلاء بكثير ولازالوا هم في الطور البدائي حسب رايه، فمن الظلم ان نبقى نربط مصيرنا وان كانوا من العرق ذاته، يجب ان نفكر انسانيا ونعمل على ما نتمكن عليه.  فتعجبت من امره، وهل من المعقول ان تحسب الانسانية على ان تحتفط بالحق في ترك الاخر وتعمل على ضمان ما يهمك ومنطقتك او محافظتك ان كنا اكثر صراحة، وتحسب انك وصلت للعقلية الانسانية .

فخالفته على ذلك وقلت لازلت انت في دائرة الايمان بالمناطقية الضيقة ولم تخرج من هذا التوجه الضيق الافق وتتكلم عن الانسانية، فهل من المعقول ان تتكلم انت عن ما يهم كوردستان بهذه العقلية وبخلفية مؤمنة بالمناطقية القحة ولم يبق شيء من الطبقية حتى في فكرك ومبادئك وكان الانسانية هي المصلحية فقط . قال لي انت لازلت في فترة الثمانينات من القرن الماضي وستبقى عليه لانك لم تختلط بالمجتمعات المختلفة ولم تتغير عقليتك  . فقلت يا اخي قل ما شئت الا انني مقتنع بان كوردستان الجنوبية على الاقل يجب ان يكون مصيرها واحدا ومشتركا بجميع مناطقها والمستقطعة منها قبل الجميع، فلم يتحمل الاخ ما قلته وقال بصريح العبارة انت متخلف سياسيا وعقلانيا ايضا في توجهاتك المتزمتة على ما كنا عليه قبل عقود ويجب ان تقرا كثيرا وتصل الى الانسانية في الفكر والتوجه والعقلية، والمحير في الامر انه غادر و قال انه متواعد ويجب ان يذهب، ولم يتصل بي بعد ذلك الى ان سمعت انه عاد الى بلده في اوربا دون ان يعلمني هذا، هذا هو الاخ الذي يقبل بالراي الاخر ويؤمن بالاختلاف وعقليته توسعت ونحن نعيش على ما تعلمناه في العقود الماضية فقط دون تغيير، يا للتغيير في عقلية الاخ هذا.

 

في المثقف اليوم