أقلام حرة

حسن عبد الهادي اللامي: لــِمن نكتــب!؟

بعد رجوعي الى المنزل وأخلد الى الراحة، تأخذ حبال ضغوطات العمل ومتعلقاته بالتراخي شيئا فشيئا ..

فتنتشي النفس وتدخل في استجمام بعد وجبة ونومة مُنغصة بانقطاع التبريد حيثُ نتأرجح بين الوطني والمُولِدة ...

وبعد عدة رشفات لكوب الشاي الساخن مع حرارة الجوّ ...، تبدأ أبخرت التفكير بتشكيل سُحب محملة بأفكار تبدأ بتقاطر خواطر حصاد اليوم من نقاط تم رصدها وظواهر سلبية عزم الرأي على نقدها ...

فأقفُ عند بعضها وترتسم هيكلية الفكرة،وأباشر بتنظيمها بقوالب ادبية رشيقة انيقة ومعاني سلسال تحمل في روحها الصدق والحقيقة...

وما ان أبدأ انضّد مقالي واسترسل بكتابته بجهاز الحاسوب، واستجمع تركيزي في تحريره .. وأغوص في الفكرة ... بهِمّة ... ورغبة ... و... فجأة ً، أشعر بهجوم خاطِر كأنه يفصل بيني وبين أتمام مقالتي!!!

واشعر بانقطاع - قايش - القوة الدافعة، ويبدأ العزم يضعف تنازلياً ..

ويسكن ذلك العصف الذهني المفعم بنشاط وحماس الكتابة..فأعزف عما كنت عليه ..

وابقى عائما على سطح الالفاظ !!

بينما ارمق قاع المعاني بخاطرٍ فاتر ونفس منكسرة و مُحبطة !!

...هو ليس خاطر سيء ! بل نداء الواقع !!

نداءً يربكني ..يملئ وجودي تثبيطاً ووهناً :

لمن تكتب؟ ومن يُصغي لما تقول؟ ومن يهتم لجهودك؟

تُعارك الزمن لتستولي على أوقاته، لتُسخرها في خدمة الناس كيما يخرجون من ظُلمات الجهل والسذاجة الى نور الحقيقة و الوعي ..

ليس سهلا ان تكون طبيبا اجتماعيا خبيرا تضع عُصارة تجاربك بين يدي ابناء مجتمعك بصياغات منسقة ومرتبة وافكار خاضعة لمعايير العلم والبرهان وموزونة بميزان الادب والحكمة، لينتفعوا وتتنور بصائرهم ..

وإذا بِهم غير مهتمين لما تستهدفه من صلاح شؤونهم وفتح مجاري عقولهم الممتلئة بأنواع الاسداد، وتغيير قناعاتهم التي اعتادوا على توارثها وهي لا تعدو ان تكون خُزعبِلات ومخترعات العقل الخُرافي ...

ولكي أُعطيهم دافعا الى ان يقارنوا انفسهم بالأمم المتحضرة والبلدان المتطورة لتصعد سُلم البناء والتقدم وتعلو قمة النجاح والرفاهية ...

ولكن لايتناول احد هذه الجهود بعين الرعاية والاهتمام ولا يُعتبر بها كوصفة تستحق الدراسة والإنماء ..

لمن تكتب؟ هذا ما صرح به الخاطر وهو يضع قبضته على كفي ويعتصرها بِحزن ليصل المها الى قلبٍ اجهدته هموم البلاد وجهل ٌ لكثير من العباد وما يغط به بعضهم من نفاق وتلون ودجل وغدر .....

نكتب لمن؟!

الى مثقف مثلي أشاطره الهموم ؟ كناقل التمر الى هَجر !

ونَدُور في حلقة مُفرغة، هو يقرا لي وانا اقرا له ؟ ونتبادل الاحسنت و..موفق .. وروعه؟

"... على گـولت عادل إمام في احدى مسرحياته وهو يسخر من الاغنياء حينما يقوموا بولائم ضخمة فيعزموا الاغنياء ايضا (يعني ناس عندهم لحمة يعزموا ناس عندهم لحمة عشان يأكلوا لحمة ؟!!!)".

فهل الطعام المبذول الا للفقير والمحتاج؟

وهل العلم الا لمن يجهل وهو في جوع للمعرفة؟

وهل الادب والتذكير والوعظ الا لمن اسرف وفسق وابتعد عن طريق الحق؟

ما لهدف من الكتابة والتأليف؟ لملئ صفحات الاوراق والمواقع؟ ام هناك هدف رسالي يُراد ايصاله الى مستحقيه؟؟!

وأذكر حديثا لسيد الانبياء عليه واله الصلاة والسلام ان هناك ثلاثة يشكون الى الله ومنها عالم بين جُهال ...

فعلا هي شكوى اللسان والحال ..

حيث يجد نفسه بين جُهال بخارطة السير نحو الاهداف الرفيعة وبين جُهال بالأهداف العليا ...

ويستشعر بغُربة لا يجد لها بديلا الا حنيناً الى مجالسٍ خلت ودواوين عِلم اندرست ..

نكتب لمن؟ ...

 

في المثقف اليوم