أقلام حرة

صادق السامرائي: كلام وسهام!!

للكلام زمانه وللسهام زمانها، ولا يمكنهما التواجد في وقت واحد، فوقت السهام للسهام ووقت الكلام للكلام!!

وهذه قاعدة سلوكية معروفة منذ أن عرف البشر السهام وأجاد رميها والصيد والقتل بها!!

والكلام يُقرن بالسهام، لأن التخاطب بالسهام يسبقه التخاطب بالكلام، ولا يمكن تحقيق الخطاب الكلامي في محتدم التخاطب السهامي!!

ومما يثير العجب والحيرة أن العديد من الكراسي الفاعلة في بعض المجتمعات المنكوبة تتجاهل هذا القانون، وتختلط عليها الأمور، وتتشعب وتتعقد، لأنها تمزج ما بين الوقتين، ولا تفهم في قوانين الزمينين، فتراها تتكلم في وقت التخاطب بالسهام، وترمي بسهامها في وقت التخاطب بالكلام ، مما يتسبب في معضلة تفاعلية ذات نتائج خطيرة ومريرة.

وتجدها فاشلة في حل المشاكل القائمة في بلدانها، وعاجزة عن إستثمار الطاقات وتطويرها، وتكون أسيرة ردود الأفعال والمشاركة في صناعة النكبات، وتنفيذ الأجندات، والخروج من دائرة الوطن والدخول في زنزانة الكرسي، الذي يمتلكها ويقدمها على أنها عدوة لما فيها وما حولها، فتحترق في مكانها وتؤول إلى عصف مأكول، ويبقى ناعور الكراسي يدور.

والأمثلة الدامغة واضحة ومتكررة في العديد من مجتمعاتنا،التي لا تجيد مهارات التعلم من تجاربها ومآسيها، وإنما تمعن بتكرار آليات أقسى من سابقاتها، لتوفر الأدوات التي تنفذها.

فعندما تحصل مظاهرات أو إحتجاجات، يتطلب الأمر حوارات، وقدرات على إستخدام الكلام للوصول إلى الغاية والمرام، لكن الذي يحصل أن الكراسي تعمد إلى رمي السهام، فتدخل في متاهات تدميرية يتم الإستثمار فيها من قبل الطامعين فيها والوطن، وقد حصل ذلك في عدد من الدول المعروفة التي تتمحن في خيباتها وإنكساراتها، والتي أطلقت العنان للسهام وراحت تتمنى أن تجد فرصة للكلام، بعد أن تخبطت في إنفعالاتها وحالتها السلوكية العمياوية، وهي مصفدة ومذعنة لإرادة الآخرين الذين يعرفون من أين تؤكل الأكتاف، وتُمتَلك الشعوب والسلطات.

وفي هذه الحيرة والمأزق لا بد من عقول قادرة على الخلاص من وحل المنزلق، وتعرف كيف تخرج من الهاوية، وتبحث عن المنافذ التي قد تكلف الكثير من التنازلات والتغيرات القاسية، لكي تعود الأمور إلى نصابها الوطني والإنساني، وإلا فأن وجودها سيكون شذرا مذرا، وبلدانها ستتناهبها أنياب ومخالب الوحوش الكاسرة التي تكالبت على وجودها، بعد أن أسقطت نفسها في مهاوي الضياع والخسران، لأنها أغفلت مستحقات الزمن الذي تفاعلت فيه، وأطلقت العنان لما فيها من النوازع والهفوات، التي أوهمتها بالقدرة على التمكن والنجاة!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم