أقلام حرة

حيدر عبد علاوي: هل نحن حقاً أحرار؟

haidar abdalwialzaydiعندما طبق قانون تحرير العبيد في امريكا الذي دفعت دونه دماء وحروب ودمار، دهش العالم ان العبيد الذين اطلق سراحهم احراراً لم يغادروا الى حرياتهم بل مكث معظمهم امام اسوار دور الاسياد محتجين على قرار الحرية ومطالبين بالعودة عبيداً يتكفل لهم السيد بالمنام والطعام والطبيب ان اعوزت الحالة ...

في التاريخ يصبح الانسان عبداً، بثلاث طرق : أسرى الحروب، والذين تتراكم عليهم الديون وفوائدها الربوية فيدفعون انفسهم او ابنائهم فدية للسداد، والطريق الثالث الذين يولدون على فراش العبودية (وراثة)، وجاهدت الديانات وآخرها الاسلام للحد من العبودية، فجعل الاسلام تحرير العبد أو معاملته بالحسنى احد اهم الوسائل للتقرب من الله وكفارة عن الذنوب والمعاصي، ولم تستطع الديانات القضاء على العبودية طيلة تاريخها الطويل، لاسباب متعددة ليس هذا محل بحثها ولعل الباعث الاقتصادي والحكم الفردي المتزمت احد اهمها، الا ان التطور الكبير في العصور الاخيرة في كافة مفاصل الحياة وظهور المفهوم الديمقراطي والثورات والشرائع الدولية الخاصة بحقوق الانسان كانت لها الاثر الفاعل في تحرير العبيد الذي سجل ذلك في امريكا في ستينيات القرن الماضي ...

غير ان العبودية لم تنتهي، تلبست بلبوس العصر، طورت وسائلها واساليبها وتغيرت مسمياتها لكنها حافظت على جوهرها وروحها، فالعبودية ظلت تلامس روح الانسان وترافقه في كل مراحل تاريخه، ويبدو انها لن تنتهي مادام صراع الخير والشر، ومادام الناموس الالهي وشرائعه لاتطبق بصورة انسانية وصادقة ...

ربما يسأل احد اين هي العبودية في عصر العولمة والثورة المعلوماتية، فالانسان حر في اختياره، وحريته مكفولة بدساتير وقوانين وأنظمة وبروتوكولات دولية وقعت عليها جميع دول المعمورة، فالانسان حسب القانون الدولي يولد حراً وله الحق في العمل والعيش بكرامة وحرية، والدولة تكفل ذلك، فلا أحد يغصبه على فعل لا يريده، ولكن عبودية العصر أصبحت إختيارية ، فلم يعد هناك اسرى يباعون ولا مفلسين يقدمون انفسهم او اولادهم عبيداً للسداد، الانسان المعاصر حاصرته العبودية من كل جانب، ولا خيار أمامه سوى مسايرتها..

العبودية الاختيارية تبدأ اليوم من الزواج ولا تنتهي حتى بالمنصب الحكومي الرفيع، فبعض الزوجات يعشن مع ازواجهن كالجواري والإماء، ليس لها قيمة او رأي وهي قد تضرب وتهان لسبب او بدونه، فتخضع صابرة محتسبة ...

والموظف في القطاعين العام والخاص، هو بالنتيجة عبد ذليل لمديره، يقدم خدمات لاتخطر على البال والذكر، الموظف الحكومي المحمي بقانون الخدمة المدنية يستخدم من بعض المدراء عبداً وهو يقدم خدماته بأريحية شاء ام أبى ...

والبعض من السياسيين وماأكثرهم يستخدمون استخدام العبيد وان كان ذلك لايبدو للعيان الا ان خبايا الامور ومايطفو على السطح يدلل ذلك، وإلا بأي وصف يوصف الطلب من وزير ان يدفع تكاليف سفر مسؤول اكبر منه، او ان يوافق على إحالة عطاء او مشاريع قد تعرضه للسجن او المحاسبة، اليس ذلك وصفاً لعبودية المنصب، لو كان الوزير قادراً على رفض الطلب والوقوف بقوة ضد هؤلاء فانه خرج من توصيف العبودية اما خنوعه ورضاه فماذا نسميه؟!

في العراق تأخذ العبودية عدة مناحي، وتدخل في تفاصيل الحياة اليومية بكل مفرداتها، اجتماعية وسياسية واقتصادية، حدثني لاجئ من الموصل يسكن الكوت ان رب عمله يكلفه بأعمال لاتخطر على البال، بل تصل الى تنظيف البيت وغسل اطباق الاكل، وهو ينفذ حتى لايفقد عمله ...

وفي السياسة فإن بعض العراقيين يقدمون انفسهم لاصحاب المناصب بعبارة (أريد اكون بخدمتك) وصاحب المنصب وولي النعمة يتخير خادميه ويكلفهم بالادارة والاعمال فيخلصون له اخلاص العبيد لاسيادهم ...

والعبارة المحلية المشهورة (خادم) او (بالخدمة) تتسرب من اللاشعور الى الشعور وتترسخ في قيم الانسان وسلوكه فيكون مستعداً لعمل اي شئ لتمرير مصالحه واستمرارها الا مارحم ربي ...

وبنظرة بسيطة لما يجري في دوائر الدولة نلاحظ ان المدير العام يتمتع بسلطة يحلم بها اقطاعيوا القرون الوسطى، واعرف مديراً جاءت به المحاصصة ارسل يستقدم احد موظفيه الذي طلب إجازة ليوم واحد لحضوره زواج أخيه فقال له المدير العام المحاصص (أخوك يتزوج طيب وانت شنو دخلك) ورفض منحه الاجازة ...

 

في المثقف اليوم