أقلام حرة

حميد طولست: المسألة أكبر من أن تكون شخصية!..

hamid taoulostبعد أسابيع قليلة، وبالضبط في السابع من أكتوبر، سيحل على في بلادنا موعد الإنتخابات البرلمانية التي يشعر المغاربة أنها لم تتوقف قط، وقبلها بفترة وجيزة ستنطلق الحملة الانتخابية  التي سنرى خلالها المرشحين وهم يوزعون الابتسامات العريضة على طريقة نجوم هوليود، على كل الناس ويبادلونهم العناق الحميمي، وكأنهم عائدون من سفريات بعيدة، ويسألون عن أحوالهم الصحية والمعيشية، وكأنهم "من بقية أهلهم" كما يقول المصريون .

شيء جميل أن يهتم المرشح  بسكان دائرته و" يتهلا " فيهم –حتى فَمَامَةً وبالتقليل من عجرفة بعضهم- الأمر الذي كان يجب أن يحدث قبل هذه الأوان  الذي إشتد فيه وطيس التملق والتزلف والنفاق،  وحميت خلاله حركات استغباء المواطنين واستحمار الناخبين، ونصب مصائدة العسل للذببة المغفلين، كما يقولون، وطرح فخاخ الحرير  للناخب  الغر الغبي، الذي بمجرد وقوعه  في شباك الصناديق، حتى "تحرا" حلاوة لسان المرشح ، وتصفر ابتساماته المرشح، وتشح قبلاته، وتضيق أحضانه عن العناق، وتنضب "عشاواته لميدمة" وشهيواته التي واكبت حاتميتها الحملة الإنتخابية، ويتبخر في الهواء، تماما كما يحكى في المثل العامي " ملي كيدي العروسة كينس المنحوسة"، بل إن منهم من يعادي ناخبه المنحوس، ويبعد عن طريقه وكأنه مخلوق أجرب !!

حدث ذلك إبان الانتخابات السابقة والتي قبلها ومع ما سبقهما، وربما سيحدث لامحالة مع القادم منها وبنفس التفاصيل، وكأننا أمام مشهد معاد بتقنية " الفلاش باك" السينمائية ؛ بابتساماته العريضة،  وزرابيه  المبتوتة هنا، ونمارقه  المفروشة هناك، وموائده المعروضة في كل مكان، ومأكولاته الطيبة اللذيذة، بخرافها المشوية، وبسطيلاتها الشهية، وفواكها الجنية الأسيوية والإفريقية، ومشروباتها الغازية و المعدنية وربما حتى الكحولية ، وبعدما يُنال المتبغى، ويحصل المأمولة ، وتخر المخرات السمينة على الأرائك الوثيرة، و تستمرؤ الجلسات المريحة ، ويُتمنطق  بالحصانة، منتهى الأحلام وأحلاها، يختفون كلأطياف، التي لن تُرى ثانية إلا بإنتهاء  زمن البرلمان.

 وإذا حدث ورغب المواطن في لقاء من جعله نائبا عنه في دائرته، لا سعيا وراء الحصول على حاجة أو قضائها، وإنما استفسارا عن صحة من كان جاره قبل أن يرتدي جبة البرلماني، ويكنى السيد المستشار المحترم، فتخبر بأنه مريض يعالج في بلاد "برا"، ومرة أخرى يقولون أنه في سفرية بعيدة طويلة من أجل قضايا الوطن والمواطنين، وهو الذي ما زار قط  " سيدي حرازم " قبل ترشحه .

لقد تعودنا على الصورة الكاريكاتورية التي أن يتحول فيها المرشح من راكض وراء الناس بحثا عن أصواتهم، إلى نائب يركض وراءه ناخبوه،، فلا يجدونه يبحثون، لتنكره لمن يذكره بأيام ( الزلط )التي يريد نسيانها بعدما "مسك الله عليه " وذلك جائز في مثل مجتمعنا .

ولا غرابة في كل هذا السخف، وذاك العبث، لأن الناخب هو السبب،  بما يدعيه من تسامح وتجاوز ودون نقاش أو محاسبة، ونسيانه بسرعة نفس السلوكات المستفزة غير المبررة ، فيقع في الفخاخ الساذجة، ويلدغ من نفس الأجحار مرة تلو الأخرى، وهو يردد الحديث النبوي الشريف: " لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين "، وذاك إما لأنه غير فاهم لمضمون الحديث، أو لأنه بياع لوطنه، أو لأنه ساذج  أو غبي كبير، والأخيرة هي الأصح وأعتذر على مصحراته بذلك .

 فيا أخي الناخب، أفق من غفوتك، وانتبه لغفلتك، وكفاك غباء و" تكونيبا " ولاتبع مستقبلك ومستقبل أولادك مقابل طعام أو شراب مهما كانت لذته، فهو سائر إلى مرحاض، كالذي وفره لغاية خسيسة في نفسه، هو أيضا سائر إلى اختفاء لامحالة ... وإعلم أن المجالس لا يمكن أن تكون قوية إلا إذا استندت على شريحة انتخابية وطنية واعية  تستطيع أن تنتخب نوابا أكفاء أقوياء لا يخشون في الحق ومصلحة الوطن لومة لائم ..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم