أقلام حرة

هل حقـًا (فتح الله غولن) هُوَ المَسيحُ المُنتَـظـَر؟

rasheed alalimكلُّ الأصَابع أشَارَتْ بعدَ فشـَل الانقلاب في تركيَّا،  إلى حَرَكة (فتح الله غـُولن) الصُّوفية التي أسَّسَهَا بين 1968 و 1970 بالتحالف مع التيَّار العَلمَانِي، والمُخابرَات التركية، فالجَمَاعة في البدايَة كانت تنتقِي فِكرهَا الصُّوفيَّ التزكويَّ مِن كتبِ العَالم الكـُرديِّ (بَديع الزَّمَان النـَّورسِي) الذِي كـَان أستاذا لفتح الله غـُولـَن وَ عَلى رَأسِهَا (رَسَائِل النـُّور) التِي اعتمَدَهَا فتح الله واستوحَى منهَا مَشرُوعَهُ الصُّوفيّ التنويريّ فِي البدَايَة مِن أجْل استقطـَاب الأتبَاع ووَضع حَجَر الزَّاوية لبنـَاء أسُس الهَيكلُ التنظيميّ والدَّعويُّ للحَرَكـَة.

غيرَ أنَّ جَماعة (فتح الله غـُولن)، وإن كانَتْ ترفعُ شعَار نـَمُوذج الإسْلام الصّوفي المُسَالم والمُعتدِل، إلا أنهَا وُجِّهَت إليْهَا اتهَامَاتٌ عِدَّة مِنهَا التحَالفُ مَع الولايَاتِ المتحِدَة وإسرَائيل والمُخـَابرَات التركيّة، علاوَة عَلى تقدِيم تقـَاريرَ شهْريَّة لـ (سي أي إي) والاستخبارات الأمريكية.

فالحَركة حَسَب (لطيف أردُوغـَان)، النائِب السَّابق لـ(فتح الله غولن) وصَديقه الذِي عَاشرَهُ لأزيدَ مِن أربعِينَ سَنة، خَرجَ فِي قناةِ الجَزيرَة وَهُو يُوَجِّهُ أصَابع الاتهَام إلى صَديقِـه وشيخِهِ السابق (فتح الله غولن) الذِي اعتبرَهُ مُنفـَذ الانقــَلاب بتركيَّا، فبالنظر إلى النفـُوذ القويّ الذي اقتحَم المَرَاكِزَ الحسَّاسَة في الدَّولة وَهِيَ القطـَاع العَسكري و الأمنِي و القضَائِيّ و الإعلامِيّ و التربوي و الاقتصادي..صَارَ مِن السُّهُولة بمَكان، توجيهُ أصَابع الاتهَام إلى حَركة (غولن) التِي توجِّهُهَا الاستخبَارَات الأمريكيَّة وتحْمِي مُرشدَهَا الذي استقرَّ بأمريكـَا مُنذ التسعينيَات مِن القرن المَاضِي.

وَمِن بَين الاتهَامَات الغـَريبَة التِي وَجَّهَهَا (لطيف أردوغان) الذِي انشقَ عَن الحَرَكة بعدَمَا عَرَف هَدفهَا الرئيسي الذي يتمثل فِي الاستيلاءِ عَلى الدَولة التركيَّة عَن طـَريق عَملية تطـْويق أجهزَتهَا ومَرَاكزهَا الحسَّاسَة وعلى رَأسِهَا الجَهاز الأمني والقضَائي والاقتصادي، أنَّ (غـُولن)  يَدَّعِي أنهُ يتكلـَّمُ مَع الله، ويتكلمُ مَع النبيِّ صَلى للهُ عَليْهِ وسَلم، ويقولُ بأنـَّهُ أقربُ إلى مُريدِيه مِن حَبل الوَريد، وغيرهَا مِن أحوَال الصُوفية التي استثمَرهَا على نحو أكيدٍ كما قال (لطيف أردُوغـَان) فِي إخضَاع مُريدِيه وتخْويفِهم وتقدِيمِ نفسِه لهُم باعتبارهِ قطبًا ربانيـًّا ونبيًا مبعوثـًا ووَليَّـا مِن كبَار العَارفِـين بالله، وأن له قدمًا في السَّمَاء وقدمًا في الأرض، بَل ذهَبَ بَعضُهم  إلى أنْ قـَال بأنَّ (غولن) هُو المَسِيح المُــنتظـَر !! المَسيح الذِي نزَلَ ليمْلأ الأرْضَ قسطـًا وعَدلا.. 

فحَركـَة (غـُـولن) تجْعَلنـَا مرة أخرَى نسَاءِلُ عَلاقة التيَّارَات الصُّوفيَّة بالسياسَة وَبالدُّوَل الأجنبيَّة وتعيدُ إلى السَّطح فكرَة أنَّ الحَرَكـَات الصُّوفيَّة - ليسَ جلهَا بالطبْع- صِنـَاعَة إستخبارَاتيَّة تستثمرُهَا الدَّولـَة مِن أجل ضَمَان استقرَار نـِظـَام معَيَّن ومن أجل مُحَاربَة الجَمَاعَات الإسلاميَّة السلفيَّة المتطرِّفة التِي تدينُ بفكر (ابن تيميَّة) و(ابن القيم الجوزية) و(مُحَمَّد عَبد الوهَّاب)  و(فتـَاوَى بن باز).. كما تستثمرها الدُّوَل العُظمَى كمَا هُوَ الشَّأنُ مع (حركة غـُولن) مِن أجل تحْقِيق مَطامعِهَا واستخدامِهَا كأداةٍ فعَّالـةٍ لضَربِ النظَام الذِي لا يَخدُمُ مصَالحَهَا.

والتاريخ الإسلامِي حَافِلٌ بأحْدَاثٍ تاريخيَّةٍ تحَالفـَتْ فِيهَا الحَرَكـَاتُ الصُّوفية مَع المُسْتعمِر الفرنسي والإيطالي والإسبَانِي، مِثل الطريقة التجانية فِي الجزائر كما يشهد بذلك جنرَالٌ عسْكري فرنسِيّ في إحدَى مُذكراته، كمَا أن المَغرب شهدَ إبَّـانَ الدَّولـَةِ السَّعديَّة، تهافتـًا للزوايا الصٌّوفية عَلى الحُكم والسُّلطـَة بدَعْمٍ مَالي وسِيَاسِي مِن طـَرف قِوَى غَربيَّة، كحَال الجَزائر  التي والت إحدى طرقهَا الاستعمَار الفرَنسي، وهِيَ الطـَّريقة الأحمَدية الكتانية و شيخها (محمد بن عبد الحي الكتاني)  فحينَ استقلَّ المَغرب ظلَّ ببَاريس إلا أن وافته المَنيَّة.

ومن بين الأمثلة الكثيرَة، مَا قام به الشيخ والصوفي أحمَد أو محَلى حين أعلنَ الحَرْبَ طمعًا في الحُكم  ضد (زَيدَان ابن المنصور الذهبي)، فقام بطردِه من مرَّاكش، وفي النهَايَة نصَّب نفسَهُ سلطانـًا.

فنحن دائما نجدُ أنفسَنا أمَام تـَّاريخ صُوفي سِّيَاسيّ يُعيدُ نفسَهُ مرة أخرَى، فالشيخ والسيَاسِي  والصُّوفي (حَسَن التـُّرَابي) مُؤسِّس (حَركة الجَبهة الإسلامية القوميَّة) توَرَّط فِي انقلابِ عَسْكري سَنة 1989 ضِدَّ حُكومَة المَهدِي المُنتخَبَة ديمقراطيًّا وعُيِّنَ (عُمر حَسن البشير) رئيسًا للبلاد.

و مثل هذا السِّينـَاريُو ينطبق على ما حَدَث من قبلُ فِي إيرَان حِينمَا خاضَ (الخُمَينِي) انقلابـًا بتأييدٍ مِن فرنسَا وأمريكـَا سَنة 1979 فأطـَاح بـ(الشاه مُحمَّد رضى بهلوي) بدَعوى أنهُ أيَة الله، وقائد الثـَّورَة والمَرجع الرُّوحِي الأعلـَى عِندَ الشـِّيعَة الذِي لا يَنطقُ عَن الهَوَى..

وهَاهِي حَركة (غولن) تعيدُ تمثيلَ السِّيناريوهَات الانقلابيَّة مرة أخرَى بعد فشل الانقلاب القضَائِي السَّابق، باسم الحَقيقـَة وَ الولايَة والمَشيَخـَة والعِصْمَة والتكـَلم مَعَ الله، ومُجَالسَة النبي صَلى الله عليه وسلم، وَحَاشى لمَن يدَّعِي صَفـَات الذات الإلهيَّة أن يكونَ جَليسَ نبينـَا الكـَريم صَلوَاتُ الله عليه.

لقد شَهدَ التـَّاريخُ المُعَاصِر كما القرُون السَّابقـَة زَحْفَ الحَركـَات السَّلفيَّة والدينيَّة نحوَ الحُكــم، فهَلْ يَا ترَى سَيشَهدُ التـَّاريخُ نفسَهُ مَرحلة أخرى من مُسلسَل تهافـُـت الحَرَكاتِ الصُّوفيّة على الحُكم والسُّلطـَة أم أنها ستظلُ تمَارسُ السِّياسَة بأدوَاتِهَـا المَعهُودَة التِي يغلبُ عليهَا مَبدَأ السِّيَاسَة بدُون سيَاسَة ؟

 

في المثقف اليوم