أقلام حرة

حميد طولست: العيد الكبير و"لكريدي"!!

hamid taoulostقبل أن يستفيق المواطن المغبون من عطلة الصيف التي بخرت  سخونة تكاليفها كل مدخرات الكثير من الأسر المغربية، واصابت ميزانيتها بالكساح المزمن، والتي إنضافت إلى مصاريف شهيوات سيدنا رمضان التي حاصرت المقهورين قبل أسابيع، والتي عمرت جميع الأسواق، والأحياء، والأزقة الضيقة وحتى  بيبان "الديور" وأتت على البقية الباقية من صبرهم وتصبرهم قبل أن تختفي فجأة كل الشهيواته المتنوعة من شباكية وبروات وحرشة وملاوي "مطيشا" المتعنتة والبصلة المتعجرفة  وغيرها من المواد التي اصابت ميزانيات الأسر بفقر دم مزمن، ليحل، في غفلة من الناس، محلها شبح الأدوات المدرسية التي حاصرتهم هي الأخرى في كل مكان،  في كل المحلات التجارية التي إستبدلت تجارتها المعتادة وتحول باعتها بقدرة قادر إلى كتبيين رغم أمية السواد الأعظم منهم، والذي سيأتي على البقية الباقية من صبر وتصبر الآباء، الذين ملوا حديث الكتب و" الكرطابات " والكراسات، و المراجع، و الأقلام، والمقررات، وما تعرفه أثمنتها من إرتفاع مقايسة مع اثمان المحروقات في "البونبات" رغم انخفاظ ثمن براميلها في الأسواق العالية، التي تزاحمها في هذه الأيام المباركة أثمان

التوابل والفحم والتبن والعلف، التي إمتلأت الدنيا بروائحها المصحوبة بروائح الأكباش وتبعبيعهم الكثيف وكأنها حرب ضد المغلوبين.

التي أصبحنا نراها  بكثيرة مثيرة، وتنوع ملفت، في كل مكان، باحياء المدن بلا استثناء، حيث أنها غطت كل الفضاءات والساحات، الشوارع الكبيرة وحتى الأزقة الضيقة،وهي مغرية بألوانها وأشكالها الجميلة، ومزهوة بأثمانها اللافحة المتنوعة ومتفاوتة،  حسب نوعيتها ومصدرها، من سردية سمينة ومكتنزة، إلى بلدية معلوفة أو رعوية ؛ وبين هذا وذلك، وقف الكثير ممن هم على باب الله،والذين لا يملكون ثمن أي نوع منها، مشدوهين تشدهم إلى الأكباش رغبة  "التبوريد عليها " يوم العيد، أعينهم مفتوحة بصيرة واياديهم مغلولة قصيرة، وأكثرهم لا يملك غير أجرته الكسيحة التي لم تفكر الحكومة تطبيق نظام "المقاسية " عليها، إلى أن أصبحت لا تسد رمق الأسرة في الأيام العادية قبل أن تبهدلها مصاريف المناسبات المتلاحقة رمضان وعيد الفطر، الدخول المدرسي والعيد لكبير وما ادراك ما العيد لكبير؟.

وفي خضم هذا التيه واللاملاذ، وهذه الحياة المكتظة بشبقية الهواجس الاستهلاكية الطارئة، لا يجد الإنسان المغربي، نجم المعارك المأساوية، المنذور للاطمأنينة وإحباطاتها، الحامل لرايات اليأس والمآسي والقلق، في معركة البحث عن الكبش الأقرن، إلا الاستسلام لشركات الكريدي المتخصصة في تلقف بؤس "الغلابة" بأذرع  مفتوحة -على الآخر- لتلقف العطايا الحاتمية، والهدايا التكريمية اللامحدودة، وسلفاتها التي هي مرة " مضوبلة " ومرة أخرى ثلاثية الأبعاد، أي ثلاثة في واحد المصحوبة بالهدايا المغرية.

ليس الخطر أن يفعل هذا الكرم الحاتمي فعله في الأفراد والأسر فحسب، بل الخطر كل الخطر أن يتعدى ثأتيره فئة محصورة فيشمل الغالبية العظمى من المواطنين حيث يعتقد الجميع على أن "الكريدي" هو الحل الأمثل والوحيد لكل المشاكل الاقتصادية التي تعترض مسار حياة الناس، ويبقى الخطر الأكبر حين يستسلم المجمتع لإغراءات شركات القروض ومغرياتها، ويندفع لممارستها كحق ومكتسب، ولا يستفيف مما تلبسه إلا بعد فوات الأوان حيث يكون الطوق قد أحكم قبضته، وأصبح رهينة متطلبات المقرضين وشروطهم، راضخا لقواعدهم، أسيرا لبرامجهم، فإذا تعثرت خطوات الدفع مرة، أو تأخر التسديد عن موعده المحدد، ولم يبق أمام المقترض إلا الأداء (والله غالب) أو السجن، فهذه الشركات ـ لطيبتها ـ تقترح جدولة الديون، أي تسديد الديون المترتبة من ديون أخرى جديدة تغرق المقرَض في كابوس جديد قديم ينظاف إلى جملة الكوابيس المحاصرة لأفقه المزدحم بالاحباط والألم والمعاناة الدائمة، فلا يسع هذا  الكائن البائس اليائس حينها  إلا أن ينشد مع قيس بن ذريح:        

  أقضي نهاري بالحديث وبالمنى .. ويجمعني والهم بالليل جامــع.

حتى إذا قضى العيد أنشد مع المعتمد بن عباد بيته الذي أستسمحه هذا التصرف فيه:

 بالأمس كنت بالأعياد مسرورا .. فجاءك العيد وانت ب"الكريدي " مأسورا.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم