أقلام حرة

صادق السامرائي: الوطنية والديمقراطية!!

الوطنية أولا والديمقراطية ثانيا، فلا قيمة للديمقراطية بغياب الوطنية، ذلك أن الديمقراطية كفكرة هي نظام تفاعلي ما بين أبناء الوطن الواحد لتقويته وتعزيز إرادة مواطنيه، وليس العكس، ونرى ذلك واضحا في تفاعلات الأحزاب في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة، وفي التحديات والمنافسات الإنتخابية بين الأحزاب الساعية للفوز بالحكم فيها.

وقد رأينا ذلك جليا في عام 2008 في أمريكا، عندما فاز أوباما بالإنتخابات وسارع مرشح الحزب الجمهوري ماكين بتهنئته والعمل معه من أجل رفعة الوطن وقوته.

وفي نفس العام تابعنا التنافس الحاد والمحتدم بين هيلاري كلنتن وأوباما، وفي النهاية إعترفت هيلاري بفوز أوباما وصوتت لصالحه ودعت مؤيديها لمساندته بأصواتهم.

وقد شهدنا في الأسابيع والأشهر الماضية التنافس الشديد ما بين بارني ساندرز والمرشحة كلنتن، وكيف إنتهت الحالة لصالح كلنتن وبتأييد ساندرز رغم معارضة الكثير من أتباعه، لكنها الإعتبارات الوطنية التي تستدعي التفاعل الإيجابي المتضامن لبناء القوة والقدرة على التحدي والإنجاز والتقدم.

فالوطن أكبر من الجميع، وعليهم أن يكونوا معا وسويةً، لا على بعضهم البعض، فالهدف سلامة الوطن وقوته وإقتداره، وليس المنصب والسلطة وغيرها، ذلك أن للديمقراطية محكمة تأريخية قاسية، والساعون للسلطة يبحثون عن مكان لائق في أروقة التأريخ، ويأنفون من المواضع الرزية الدونية المخزية.

ومن هذه التفاعلات الديمقراطية الراقية علينا أن نتعلم الدروس الوطنية الصالحة لوجودنا ومصيرنا، فما يحصل في مجتمعاتنا بعيد عن الديمقراطية، وإنما يبدو كصراعات عاطفية أنانية  غابية متوحشة تُلصق بها الديمقراطية ظلما وتعسفا، فتحقق المعاداة والتحاربات وآليات الدمار والخسران على جميع المستويات.

فعندما تحصل منافسة حزبية أو إنتخابية، تتحول الأطراف إلى أعداء وتتنامى العدوانية لتصل إلى إراقة الدماء والإتهامات الجائرة، التي تهدف لإنجاز أعلى درجات الإنفراد بالسلطة والحكم.

شهدنا ذلك في العديد من بلداننا التي تتغنى بالديمقراطية، وهي منهمكة بتفاعلاتها المعادية لأبسط معاني وقيم الوطنية، وحصل تغييب مروّع للوطن والمواطنة والشعب، ودام الإمعان بالفئوية والطائفية والتدمير الذاتي والموضوعي لمعظم المرتكزات الصالحة للحياة المشتركة.

 

ولهذا فأن من العيب أن نتحدث عن الديمقراطية في مجتمعاتنا، ونحن نمارس أبشع أساليب العدوانية على بعضنا وننتهك حرماتنا الوطنية والإنسانية والقيمية.

فهل رأيتم معارضا واحدا لم يفز بالتصويت وإعترف بحق منافسه، أم أنه يذهب إلى آلة تدوير الإسطوانة المشروخة المكررة المملة التي عنوانها "تزوير"؟!!

وبسبب ذلك فأن الإنتخابات في مجتمعاتنا لم تشيّد أسسا راسخة، ولم تصنع قدوات سلوكية صالحة، وإنما تلد متوالية من التفاعلات الدامية المهلكة القاسية،التي ترعى السلبيات وتعزز التداعيات.

فهل سنعرف الوطن والإرادة الديمقراطية؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم