أقلام حرة

صادق السامرائي: يوم السلام!!

لا يمكن للحياة الأرضية أن تتنعم بالسلام ولو لدقيقة واحدة، لكن البشرية تحلم بيوم واحدٍ فقط للسلام كل عام وفي الحادي والعشرين شهر أيلول، وهذا أمر مستحيل ولا يتوافق مع إرادة الأرض الدورانية، ففي كل دقيقة هناك ما لا يحصى من الأحداث الحزينة الدامية الإفتراسية المتوحشة، وعلى جميع المستويات التفاعلية ما بين المخلوقات الساعية فوق التراب المتشوق لأكلها والسكر بدمائها.

فالسلام مستحيل أرضي لا يمكن إنجازه مهما توهم البشر، لأنه يتعارض مع قوانين التواصل والبقاء، ويناهض إرادة الأرض وتطلعاتها للتجدد والتخلق والتوالد الدوّار، الذي يعيد تصنيع ما فيها وتكريره بآليات لا تدركها العقول في أغلب الأحيان.

بينما الحروب والصراعات هي الديدن الفاعل والمتسيّد والمتوافق مع الصيرورات الكيانية، ومناهج القوى والإقتدارات اللازمة لبناء الحياة.

ولهذا فأن الحصيلة اليومية ناجمة عن الحروب بأنواعها، فهي التي تحرك النشاطات، وتمنح المخلوقات الحوافز الكفيلة بتحضيرها لأدوار جديدة ذات مرتكزات غير مسبوقة ومعروفة، لكي تتمكن من التطور والرقاء والبناء والخراب والدمار المترافد.

وليس بالإمكان إلغاء الحروب ما بين البشر مهما توهم وأراد، والأدلة والشواهد واضحة ومتواترة، فلا يوجد مجتمع أرضي واحد لم يذق طعم الحروب والصراعات ويعاني من ويلاتها، ولا تخلو الأرض من الحروب الطاحنة في بقاعها المتنوعة ولو لدقائق، فالبشر بالآلاف والملايين تجده متحفز للقتال، ويحمل آلات القتل بيديه وأفكاره ومعتقاداته وما يدين به، مهما كان نوع ذلك الدين.

بل أن البشر سخّر الخترعات والمكتشفات لتنمية إقتداره القتالي والنيل من البشر الآخر ومحق وجوده، ولا يوجد أي مخترع مهما كان نوعه إلا وإستخدمه البشر لقتل البشر، وأن جميع الوسائل التي تُحسب للرفاهية والتمدن إنما آلات للنيل من البشر، كالسيارة والطيارة ووسائل التواصل السريعة والثورة المعلوماتية الطاغية وغيرها من الوسائل والمواد، التي يتم إستعمالها لتكون آلة دمار وخراب ومبعث ويلات وأخطار وحذر، حتى صار البشر يخاف من البشر لأنه أصبح يُرى على أنه قنبلة موقوتة أو حالة موبوءة بالشرور والتطلعات الإجرامية المرعبة.

وهكذا فأن القول بيوم للسلام إنما فيه نظر، فالدنيا لا تحلم إلا بيوم واحد فقط للسلام،  لأنها تعجز عن تحقيق الحياة الآمنة المطمئنة مهما وضعت من قوانين وجندت من رجال شرطة وأمن وأجهزة مراقبة ومحاسبة، فالبشر في حقيقته يضع قبعة الباء على رأسه وحسب، ويمكنه أن يرفعها بسهولة أنى يشاء ليكشر عن أنياب وحشيته وينشب مخالبه في قلب البشر.

وتلك محنة البشر بالبشر، ومأزق الأرض التي تدور بجنون وغثيان، والمخلوقات فيها تزأر وتتوعد وتثور، وتصول على بعضها كأنها شظايا الجمرات في التنور!!

فهل من سلام على أرض تدور، يا بشر؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم