أقلام حرة

صادق السامرائي: التفكيرالمُضحك المُبكي!!

هذا الصباح يُطالعني أحد الأخوة المحسوبين على الفكر العربي وهو يتحدث عن أن رئيس وزراء الدولة الفلانية ومنذ تأسيسها، قال بأن إنتصار دولته لا يكون إلا بتتدمير العراق وسوريا ومصر وتحويلها إلى  دويلات طائفية متناحرة، وهذا ما يحصل اليوم في الأرض المقصودة، وكأنه يريد القول بأن الذي يتحقق إنما هو تحصيل حاصل ومن فعل الآخرين، والعرب لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

وهذه النمطية أو الآلية الإقترابية من أية حالة في المنطقة العربية تتكرر ومنذ أكثر من قرن، وقد نطق بها العديد من رواد النهضة العربية، وتداولتها الأجيال، وهي تسعى لترسيخ ما هو قائم وشل أو منع أية فرصة أو إرادة تريد غير ذلك، وتعزز الإذعانية والتبعية.

فكل ما يتحقق مقدّر ومرسوم ولا دور للعرب فيه، فهم الأموات وكل موجود من حولهم حي يرزق!!

ويبدو أن سلطة النقل المتمترسة في العقول هي التي تساهم في تحقيق أقصى حالات التجمد المهيمنة على الرأس العربي في كل مكان، والتي تمنع العقل من العمل والنشاط والرؤية المنطقية والعلمية، وإنما كل شيئ منقول وحسب، ولا يحق لأحد أن يزعزع المنقول لأنه إكتسب الشرعية والقدسية بسبب هذا التداول المتواصل عبر الأجيال المأسورة بالمنقول والمتنكرة للمعقول.

والعجيب في أمر العقل العربي (الذي أظنه مفقود)، أنه يحسب الدنيا من حوله وكأنها حالة أخرى غير التي هي عليها، ويبدو وكأنه يطارد سرابا، أو يعيش في عوالم محلقة في فضاءات الفنتازيا والتهيؤات والتصورات المنقطعة عن طباع التراب.

ويتناسى أن غاب الدنيا هو الدستور الذي يتحكم بعلاقات الدول في كل مكان وزمان، وما تمكنت من لجمه الدساتير والقوانين والعقائد والمواثيق، وما إستطاعت الأمم المتحدة بكافة مواثيقها الدولية أن تحدّ من جماح الأقوياء وتمنعهم من إفتراس الضعفاء.

فالسياسة غاب شرس منفلت الغرائز والطباع، وما نراه هو تسويغ لإرادة الغاب بآليات وتبريرات تبدو إنسانية وأخلاقية، وما هي كذلك على الإطلاق، بل أنها غابية فتاكة النوايا والتطلعات.

وهذا ما يحصل في المنطقة العربية، ولا جديد في الأمر، لكن الغفلة والتجاهل والتصورات البهتانية والأضاليل الشيطانية، هي التي تأخذ العرب إلى منزلقات الوعيد والدمار الشديد.

وكأن ما يقوله الآخرون عن العرب يتحقق في ديارهم، لأنهم مستسلمون مذعنون تابعون خانعون، متفرقون، متعادون، ويستدعون أعداءهم للنيل من أخيهم العربي.

فالآخر يقول ما يقول ويريد ما يريد، ويسعى بكل ما أوتي من قوة وعزيمة لتحقيق مصالحه، لكن العرب بتجاهلون مصالحهم ويفتقدون الرؤية السياسية الوحدوية العربية، التي تستثمر في طاقات وقدرات الأمة، وتعتز بكرامتها وشخصيتها الحضارية.

فالعيب في أمة العرب وليس في أعداء العرب الذين يحققون مصالحم بواسطة العرب أنفسهم، لأنهم تحوّلوا إلى عجينة مطواعة يضعها كل خباز في قالبه الذي يريد، ويصنع منها ما يشتهي من المعجنات والصمون والخبز اللذيذ.

وتلك محنة عربية عربية، فلماذا يلوم العرب الآخرين الذين يؤمنون بأممهم وأوطانهم ويعملون لتحقيق مصالحهم؟!!

فهل وجدتم قويا في الغاب لا يأكل ضحية تتمطى أمامه وتحسبه مسالما؟!!

فمتى سيتحرر العقل العربي من نمطيات الإذعان الفتاك والنقل الهتاك؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم