أقلام حرة

زعيم الخيرالله: الجمال في عاشوراء

في الغالب الذين يتحدثون عن الجمال، يتحدثون عن الجمال المادي المحسوس، يتحدثون عن جمال الجسد، والجمال بهذا المعنى عبارة عن : تناسب الاعضاء في الجسد الانساني. وهؤلاء المهتمون بالجمال اولوا عنايتهم بهذا الجمال المحسوس "جمال الجسد "، وجعلوا له مقاسات تحدده، ومعايير تضبطه، واقاموا له مسابقات ومباريات، تنتخب من خلالها ملكات الجمال في العالم، وفق هذه المقاييس المحسوسة للجمال.

في شخصيات عاشوراء، وفي ميدان كربلاء، نجد هذا الجمال الذي يبهر العيون، ويخطف الالباب. فالمؤرخون حين يصفون جمال القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب، يقولون : "كان القاسم بن الحسن غلاما لم يبلغ الحلم، كان وجهه فلقة قمر طالع " . وعن جمال علي الاكبر بن الامام الحسين عليه السلام، ينقلون لنا وصفه، وعلى لسان ابيه الحسين : " انه برز اليهم غلام، كان اشبه الناس برسول الله، خلقا، وخلقا، ومنطقا، وكان اذا اشتقنا الى رؤية نبيك نظرنا اليه"، فعلي الاكبر كان على وجهه نور النبوة وبهاؤها .

ولكن جمال عاشوراء، التي هي لوحة جمالية لامثيل لروعتها، لم يقتصر الجمال فيها على جمال الوجوه الطالعة كانها الاقمار، والمشرقة بالنور، بل تجلى في عاشوراء جمال اخر، هو جمال القيم، جمال المكرمات والمناقبيات، التي جسدها ابطال كربلاء، رجالا ونساء واطفالا، والتي افتقدها المعسكر الاخر الذي جسد القبح والرذيلة وكل معاني الشر .

والى هذا الجمال اشارت السيدة زينب عليها السلام، لما ادخلت الى مجلس ابن زياد، حين بادرها عبيدالله بن زياد شامتا : كيف رايت صنع الله باخيك، والعتاة المردة من اهل بيتك ؟ قالت (ع) : " مارايت الاجميلا، اولئك قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فانظر لمن الفلج ثكلتك امك ياابن مرجانة؟".

هذا المقطع من كلام السيدة زينب عليها السلام، فيه اشارة الى هذه القيم، والمعاني الجمالية، التي تجسدت في عاشوراء، اشات (ع) الى قيم البطولة والشمم والاباء، والكرامة والنبل، والوفاء والحب.

لو طلبنا من فنان ان يرسم لنا لوحة عاشوراء، وطلبنا منه ان يرينا مواطن الجمال في هذه اللوحة، سوف لايرينا موطنا للجمال في هذه اللوحة، لانه سيرينا دماء تغطي المكان، ورؤوسا مقطوعة، ومرفوعة على اطراف الاسنة، وخياما محروقة واطفالا مذبوحة من الوريد الى الوريد، تماما كما تفعل داعش اليوم، لانرى في افعالها جمالا، بل نرى قبحا وشناعة وبشاعة.

لماذ لايرى الفنان جمالا في هذا المشهد؟ لان كربلاء كالعملة التي لها وجهان،، مشهد كربلاء له وجهان، الوجه الاول: وجه الجريمة، والبشاعة، والقبح، والذي جسده المعسكري الاموي الذي تعرى من كل قيمة اخلاقية وانسانية، والوجه الاخر لهذا المشهد: هو الوجه المشرق الجميل، الذي جسده الامام الحسين عليه السلام، وجه البطولة والكرامة والقيم والمناقبيات والاخلاق .

والسيدة زينب عليها السلام اشارت الى جمال كربلاء الذي تجلى في وجهها الاخر، وجه الاباء والبطولة، والكرامة والنبل، والقيم، فالشهادة في سبيل الله جمال، والرضا بقضاء الله الذي جسده سيد الشهداء (ع) بقوله: " الهي رضا بقضائك"، هو جمال، وبكاؤه على خصومه القتلة، الذين اوقدوا نار الحرب عليه، والتي ستودي بهم الى النار، بكاؤه عليه السلام على هؤلاء الاشقياء، هو تجل لجمال الحب في قلبه الذي لم ولن يعرف حقدا، فكربلاء، هي رسالة حب، الى الانسانية كلها، هي رسالة خير وقيم واخلاق.

السلام عليك ياسيدي يااباعبدالله، وعلى اهل بيتك واصحابك، ومن حمل رايتك، وثبت على خطك، اللهم اجعلنا مع الحسين في الدنيا والاخرة.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم