أقلام حرة

كاظم الموسوي: اخبار حزينة من بغداد

khadom almosawiمن بين اخبار بغداد الكثيرة هذه الايام، اخبار يخيم الحزن على اغلبها ولا يريد ان يتركها حتى لحالها لحظة من زمن، وليس اخرها طبعا اخبار رحيل رموز بارزة في مجالاتها، وشخصيات لها اسمها وأثرها وموقعها، مشكلة خسارة جسيمة للشعب والوطن. فوفاة عالم ومخترع حرقا في بيته وفقد فنان كبير في مشفى خارج العراق ورحيل شخصية عامة ومفكر سياسي، اخبار مؤلمة لأسبابها الكثيرة، وحزينة بالبصمات التي بقيت مؤثرة باسمائها.

ذكرت وسائل اعلام عراقية محلية (8/10/2016) خبرا يقول: أن العالم البيولوجي العراقي حازم الدراجي قد توفي في حريق غامض داخل منزله في بغداد.

الدراجي له من العمر 51 عاما، توفي يوم (7/10/2016) في منزله ببغداد، وهو العضو العراقي الوحيد في الاتحاد الدولي للمخترعين. عالم في تكاثر الطيور والعالم الأول في مجال تكاثر طيور النعام وحاصل على 30 براءة اختراع و100 ميدالية خلال مشاركته في 40 محفلا دوليا. ذكرت التحقيقات الاولية ان السبب تماس كهربائي. وكثيرا ما يعزو المسؤولون العراقيون حوادث الحرائق الى تماس كهربائي بينما تنتهي التحقيقات الى اسباب مقصودة وعمليات متعمدة.

وجه محافظ بغداد علي التميمي بإجراء تحقيق فوري ومهني، وأوضح أن "التحقيقات الأولية والأدلة الجنائية اشارت الى ان الحادث حصل نتيجة تماس كهربائي". وقال في بيان: "الساحة العلمية العراقية فقدت أحد العلماء الكبار نتيجة لحادث حريق مؤسف"، وأشار الى ان "فقدان الطاقات العلمية تعتبر خسارة كبيرة للعراق ولذلك نتمنى ان يكون لمجلس النواب الموقر تشريعات تصب في حماية العلماء وتوفر البيئة المناسبة لهم من اجل الحفاظ عليهم لأنهم ثروة وطنية صعبة التعويض

أكد أمين سر منتدى المخترعين العراقيين ليث العلاق  أن "رحيل العالم الدراجي خسارة للعراق والعالم العربي"، كاشفا عن "اغراءات عرضت على الراحل لترك العراق والاستفادة من خبراته في دول العالم لكنه آثر البقاء في بلده، رغم حالته المادية المتواضعة".

الخبر الثاني جاء من عمان/ الاردن يوم الاثنين 10 تشرين الأول/ أكتوبر. حيث اعلن عن وفاة الفنان يوسف العاني عن عمر ناهز الـ 89 عاما بعد معاناة مع المرض. نقل جثمانه الى بغداد ليدفن هناك وسط احتفاء رسمي وثقافي متميز. والعاني من أبرز فناني المسرح والسينما في العراق منذ أربعينيات القرن الماضي، ممثلا في عدد من أشهر الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية العراقية، كفيلم "سعيد افندي" عام 1957، ومسرحيات من أمثال "النخلة والجيران" 1968 عن رواية الكاتب غائب طعمة فرمان، و"البيك والسائق" المعدة عن مسرحية بونتيلا وتابعه ماتي للكاتب المسرحي الألماني برتولد برشت، و"الانسان الطيب"، و"بغداد الأزل بين الجد والهزل" وغيرها.

ولد العاني عام 1927 وتخرج من كلية الإدارة والاقتصاد في بغداد وعمل معيدا فيها، قبل ان يتفرغ لاحقا كليا للعمل الفني. والتزم بالنهج الواقعي النقدي في أعماله المسرحية والسينمائية وبالتعبير عن هموم الفئات المسحوقة والمهمشة في المجتمع العراقي، وعرف بقدرته على التقاط خصوصيات الحياة العراقية وشخصياتها الشعبية، وقدمها في مواقف تحتوي على لمسة من النقد والسخرية التي برع في استخدامها، واغلبها في اطار المسرح السياسي الملتزم والجدل الحزبي ومهمات التحرر الوطني، وأبقاها حية وطرية في ذاكرة ووجدان المشاهدين والمتابعين لإعماله.

قدم مجموعة من المسرحيات الاجتماعية القصيرة من أمثال "رأس الشليلة" 1951 و"حرمل وحبّه سوده" 1952 و"أكبادنا" 1953 و"تؤمر بيك" 1953 و"فلوس الدواء" 1954 و"ستة دراهم" 1954 و"آني أمك يا شاكر" 1955، ومسلسلات تلفزيونية منها "رائحة القهوة" و"عبود يغني" "بلابل" "ثابت أفندي" وغيرها.

بعد تعرف العاني على المسرح الملحمي لدى برشت وتأثره به، بعد ثورة تموز/ يوليو 1958 نضجت مسرحياته فنيا ومضمونا، ومن أبرزها "المفتاح" و"الخرابة" و"صورة جديدة" و"الشريعة" و"الخان". وكان قد اسس فرقة المسرح الفني الحديث، احدى ابرز الفرق المسرحية في العراق، بالاشتراك مع الفنان الراحل إبراهيم جلال عام 1952. ومارس النقد الفني في عدة صحف، منها "الأهالي" و"الشعب" و"الأخبار" في العراق.

رافق العاني السينما في العراق منذ بداياتها الاولى وكان وراء ولادة أحد أهم الأعمال الواقعية في السينما العراقية وهو فيلم"سعيد أفندي" الذي أخرجه كاميران حسني عام 1957، المأخوذ عن قصة "شجار" للكاتب العراقي أدمون صبري، ومثّل الدور الرئيسي فيه كما كتب حوار الفيلم. ومن أفلامه الأخرى "المنعطف" للمخرج الراحل جعفر علي عن رواية خمسة أصوات لغائب طعمة فرمان و"ابو هيلة" و"المسألة الكبرى" لمحمد شكري جميل، و"بابل حبيبتي" لفيصل الياسري و"ليلة سفر" لبسام الوردي وفيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين. وغيرها من الاعمال التي ما زالت في الذاكرة ونال من خلالها حضورا متميزا على الساحتين الفنيتين العراقية والعربية.

اما الخبر الثالث فقد انتشر صباح الثلاثاء 11/10/2016 عن رحيل الشخصية الوطنية والمفكر القومي والأكاديمي المرموق الدكتور وميض جمال عمر نظمي.

ولد الدكتور وميض في بغداد عام 1941 وتخرج من كلية الحقوق العراقية عام 1964 وأكمل تحصيله الاكاديمي في بريطانيا عام 1974، وترأس الاتحاد العام للطلاب العرب فيها، وشغل رئاسة قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد ومركز الدراسات الفلسطينية فيها. وكتب وأصدر واشرف على أطاريح في الفكر السياسي العربي والإسلامي والفكر الاشتراكي والتطور السياسي المعاصر في العراق وعن التخلف والتنمية وأوضاع بعض البلدان في العالم الثالث وعن الاستعمار والامبريالية.

تحت عنوان "الوحدة الوطنية صمام الاستقرار" كتبت مقالا ونشرته في آب/ اغسطس 2012، نقلت فيه من كتاب الراحل ما يلي، " كتب الدكتور وميض جمال عمر نظمي في دراسته القيمة (ثورة 1920، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية الاستقلالية في العراق- مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 1984) مستندا الى وثائق الخارجية البريطانية، ما يلي: "وكانت هذه الوحدة ذات شقين: وحدة المسلمين مع غير المسلمين، ووحدة المسلمين انفسهم. وفي هذا الصدد، اقدم الوطنيون العراقيون على خطوة مبتكرة لم يكن لها نظير في تاريخ العراق الحديث. حيث جاء "المشهد الذي لا سابق له" على حد قول المخابرات البريطانية، عندما كان المسيحيون البغداديون يمارسون طقوسهم الدينية (عيد الجسد). فقد قام وفد من المحمديين (يتألف من جعفر ابو التمن واحمد الداوود وعلي ال بازركان وغيرهم) بجمع فريق من شباب السنة والشيعة (المتنورين) الذين اخذوا يرمون الورود والماء المعطر على الموكب اثناء مروره، ويهتفون: عاش سيدنا المسيح.. عاش اخواننا المسيحيين.. عاشت الوحدة العراقية... عاشت الوحدة الوطنية". وقد اجاب المسيحيون، بمن فيهم القساوسة: عاش اخواننا المحمديون، عاش العرب". ودخل المسلمون الى الكنيسة وبقوا الى نهاية الموكب. واختتم تقرير المخابرات البريطانية بالعبارات التالية: " لقد جرى قدر كبير من الحديث العاطفي حول المشهد الذي لا سابق له، وقال الكثيرون انه تم "بفضل" البريطانيين لأنهم كانوا السبب في هذا الاتحاد، بدون ان يرغبوا فيه"!. وواصل الدكتور وميض في صفحات عديدة سرد عدد اخر من مثل تلك المبادرات الوطنية الواعية لمقاصد الاستعمار وأهدافه، لاسيما بين معتنقي الدين الواحد، وحدة المسلمين بأنفسهم. وان البريطانية المس غيرترود بل، صانعة الملوك في العراق، نفسها قد اشارت لها وهي التي فعلت ما فعلت في هذا الشأن، كما دونت في مذكراتها وكتب عنها المؤرخون".

ما ورد في النص، ليست كلمات وجملا دراسية لبحث وحسب، بل موقفا واستنتاجا وقناعة عبّر عنها وجسدها الراحل في مسيرته الوطنية ومعارضته السياسية ونزاهته العلمية وأمانته لهذه القناعات التي جعلته رمزا عراقيا عروبيا يستشهد بمثاله ومواقفه التي كتب عنها من نعوه ومنهم، المؤتمر القومي العربي، وهو عضو امانته العامة لفترات، والمؤتمر التأسيسي الوطني العراقي وهو نائب رئيسه والناطق باسمه، والجمعية العربية للعلوم السياسية، وهو رئيسها، وكذلك عدد من تلامذته ومحبيه ورفاقه في تلك المؤسسات والهيئات الوطنية والقومية.

رحيل هذه الشخصيات يضيف حزنا اخر على احزان العراق ويزيد من الم فقدانها في الليالي الظلماء.

 

في المثقف اليوم