أقلام حرة

فاطمة الزهراء بولعراس: نوفمبر (الثورة الهادئة)

fatimaalzahraa bolaarasها هو نوفمبر يطلّ علينا من جديد كل نهاية خريف ليذكّرنا بشتاءات الالم التي عانى من بردها أجدادنا وآباؤنا وليذكرنا بآمال ذهبت هباء منثور وأماني تحققت لهذا الشعب المتفاني في حب الوطن.

وعندما نقف الآن وقفة هادئة نتأمل بموضوعية ثورة خلقت امة وبعثت موتى من ناحية وقتلت غرورا ودفنت عنجهية من ناحية أخرى علينا أن نعترف بما فات ومازلنا لم نستدركه من أمل وعلينا أن نعترف بما أدركنا ولا نكون من الجاحدين ونذكر الفضل لأهله ونشكرهم ونشكر الله ونستنبط العبر من نجاح ثورة نوفمبر وهل على هذا الشعب أن يلتئم فقط بماء الخطوب والدواهي ؟ علينا جميعا دولة ومواطنين أن نستلهم روح نوفمبر كي نزرعها في همم شاخت وأخرى باخت وفت عضدها حتى أننا لم نعد نعرف من نحن والكل يصرخ (بكري)* ويتحسر على الزمن الجميل للثورة والزمن الأجمل لبداية الاستقلال.

نحن الذين قطفنا ثمار الاستقلال فتعلمنا مجانا وعالجنا مجانا وفتحت لنا الأبواب ويسرت لنا السبل علينا أن نكون من الشاكرين فما كان ذلك إلا بفضل نيات مخلصة ونساء ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من لازال ينتظر وما بدلوا تبديلا، وحتى الذين بدلوا علينا أن ننظر إليهم بعين ظروفهم لا بعين أحلامنا وآمالنا وأن نحسن الظن بهم كما أمرنا حبيبنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه لولا إحسان الظن والثقة الكاملة لما كانت هناك ثورة فالشجاعة ليست كافية للجهاد لابد من الدعم والتأييد والتمويل وأشياء أخرى تولد مع الحركات ذات الأهداف النبيلة وهذا كله لا يكون إلا بإحسان الظن وعند ذلك فقط (إحسان الظن الآخر)  تتكاثف  الأيادي وتتآلف القلوب وتتسابق الأقدام وتسهر الأعين وتسعى الأنفس وتسير كل الأمور في الدرب الصحيح.

نقف هنا في الذكرى الثانية بعد الستين لثورة اجتهدنا في أن نطلق عليها ألقابا كثيرة تمجيدا لها واجتهدنا في أن نتغنى بأمجادها ولكن أبدا لم نصبر على مواصلة الدرب وأردنا كل شئ دفعة واحدة...(.أردنا الزبدة ودراهم الزبدة) والبقرة والكلأ والمزرعة ونحن في في كسر بيوتنا قاعدون ؟

علينا الآن أن نتساءل لأن الوقت لم يفت بعد، ففي الحياة متسع من الوقت للجميع مادامت الأجيال تتلاحق إلا أن نعتبر أنفسنا الحياة. فقد زرع الشهداء بذور الحرية ونمت بفضل دمائهم الزكية وجنينا ثمارها استقلالا وعيشا كريما لكننا تصرفنا ببطر النعمة وكذلك بعض مسئولينا فاستنزفنا ثرواتنا في ما لا طائل وراءه  (استهلاك واستهلاك واستهلاك) لما لم تصنع أيدينا ولم تنسج ولم تزرع ونحن سعداء بعجزنا فخورون بكسلنا....وبعد أن كان الجزائريون يأكلون من حقولهم ويلبسون من مما تحوكه أيدي نسائهم أصبحوا ينتظرون (فناجل بختة وقش مريم) من الهند والصين وتركيا ..الخ

آن الأوان لثورة هادئة نثورها على أنفسنا ونغيرها لعل الله يغير حالنا إلى الأحسن فما أسهل أن ننتقد ونحن نضع رجلا على رجل نعد على العاملين خطواتهم ونحاسبهم وكأننا آلهة نسجل لهم النقير والقطمير ويا ليتنا نفعل ذلك بأمانة لأننا غالبا ما نولع بالسلبيات والنقائص، أما الإيجابيات والمحاسن فلا نراها وكأن لعنة أصابتنا، لابد أن نعيد نظرتنا فيما حولنا ونثمن ما هو موجود ونسعى لما هو مفقود يدا بيد نية بنية ولا نتجاوزها إلى ما عداها...فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أننا أنانيون نسير وفق قاعدة (ازرع ينبت) ولا نفكر في الأجيال القادمة وهذا خطا مدمر لنا قبل تلك الأجيال.

علينا أن نثور من جديد في نوفمبر الجميل ثورة هادئة نغير فيها سلوكنا ونحسن ظننا ونثق في بعضنا البعض حتى هؤلاء الذين نعتقدهم سيئين فمهما كانوا كذلك فهم ليسوا أسوا من العدو (ومازال عدوا) ولا يمكن أن يتحول إلى صديق وقد أثبتت التجارب أنه لازال يجد في مسعاه من أجل زرع الفتنة وتقسيم البلاد إن لم يكن جغرافيا فاجتماعيا ودينيا و....و....وما أسهل الوسائل وما أكثر المغريات وما أضعف النفوس.

لكي نتم رسالة نوفمبر(وحتى لنبدأها) علينا أن نضع إشارة( ستوب) بالأحمر أمام أعيننا توقفنا أمام كل بادرة للفتنة أو رغبة بالهدم أو فكرة بالنكوص أو سوء نية مشكوك في صدقها ومشكوك أكثر في نتائجها.

لنعاهد نوفمبر كل عام أننا للجزائر على الدوام  وللوطن مهما كان أهله ظالمين لنرتق لأن التاريخ لا ينسى حتى لو كان يكتبه المنهزمون فمابالك بالمنتصرين؟

لنعاهد أنفسنا،لنعاهد شهداءنا...لنعاهد وطننا.لنعاهد أمتنا...لنعاهد نوفمبر أننا سنحاول أن نكبر كما هو كبير في أعيننا نوفمبر  تحيا الجزائر والله أكبر

 

فاطمة الزهراء بولعراس - جيجل (الجزائر)

 

في المثقف اليوم