أقلام حرة

رشيد العالم: مُحسن فكري أعْطى دُرُوسًا ثم رَحَلْ

rasheed alalimلا أحَد اعتقد بأن المَغرب الذي ضُربَ به المَثلُ في الأمن والاستقرار سَتعصفُ به ريحُ السَّمك المُختلطةِ  بدمَاء شَهيدِ اللقمَة في شاحَنةٍ لنقل الأزبال، الحَادث لم  يُخلف استيَاء وغَضَب الجَمَاهير الشعبيـَّة فقط، وإنما حتى في صُفوفِ الجَالية المَغربيَّة فِي العَالم، التي تضَامنت مَع الفقِـيد وبعثت رسَالة مَفادهَا أنَّ الكرامَة المغربيَّة لا تحدُّهَا حُدود جُغرَافيَّة وأنَّ الجَسَد المَغربيَّ جسدٌ واحِدٌ.

هَذه المأسَاة لهَا أبعادٌ كثيرة تأكد مرة أخرَى بأنَّ المغربَ لم يُحقق أيَّ انتقال ديمُقرَاطِي فعلِي، وأن القول بأن المُواطن المَغربي يعيشُ الكرَامَة هُوَ ضَحكٌ على الذقـُون، فخُروجُ كل الجمَاهير من نسَاءٍ ورجَال وأطفـَال وطلاب ومُعَطلين وتلامِذة.. فِي كل المُدُن ورَفعِهم لشعَار (لا للطـَّحن) و(لا للظـُّلم) هَذِه المرَّة كان مُختلفـًا عمَّا حَدث حينمَا انبثقت شَرَارَة البُوعزيزي، رسَالـَة الشَّعب كـَانت وَاضحَة وُضُوحَ الشمس فِي كبدِ النَّهَار، وهِيَ أن تـَغيير الدَّسَاتير وتنظيمَ المِهْرجَانـَات الخطـَابيَّة والكـَرنفـَالات السِّيَاسيَّة ورَفع شعَارَات تحقيق المَطَالب.. وغيرهَا لا تحُول أبدًا دُون خُروج الشَّعب إلى المَيـدَان، فهَذه المَرَّة بدَا فيهَا الشَّعبُ غَاضبًا وسَاخطـًا وجَادًا بمُختلفِ مُكوِّنـَاتِه ولن نبَالغ إن قلنا بأنَّ التظَاهرَات التي شَهدهَا المَغرب كانت أقوى من ناحيَة الوحْدَة والنظـَام والتـَّلاحُم والتضَامُن والشعَارَات التِي تمَّ رفعُهَا وهُوَ مَا لم يحدث في ثورة (حرَكة 20 فبرَاير) لمَا تميزَت بهِ تلكَ المرحَلة مِن حسَاسيَّة سيَاسيّة وتجَاذب وتنـَافر بين مُختلف القِوَى والأطيَاف والتِي دفعت كلَّ تيَّار إلى نسبَة فكرَة النزُول إلى الشارع والمَطالبة بالحُقوق المَشرُوعَة لنفسِه.

الاحتجَاجَات مُستمرَّة وإن تسَللت إليهَا بعضُ الجهَات الخفيَّة المَدسُوسَة بهَدفِ تشتيتهَا وزرْع الفتنـَةِ بينَ أبنـَاء الشَّعب الوَاحد، وهُوَ مَا لم يحدُث بسُهُولـَةٍ وأخشـَى أن يَحْدُث، لأن التظاهر السِّلمِيَّ لا يعنِي الفتنـَة بقدرمَا يَعنِي صَحْوة الشَّعب المَغربي مِن جَديد.

رسَالة الشـَّعب كانت قويَّة وهِيَ أنه مُستعد للنزُول إلى الشَّارع مَتى أرَاد وأنَّ الخَوفَ مِمَا تخلفهُ الثورَات ليسَ هَاجسًا وعائقـًا ومَانعًا أمَام الاحتجَاج السِّلمِي والحَضَاري.

مِن بين الدُّروس التِي نستفيدُهَا مِن (الشَّرَارة المُحْسنيَّة) إن صحَّ التعْبير.

- أن الشَّعب كمَا قلتُ أعْرَب عن غضَبه ولم يُعر اهتمَامًا لأمنـَاء الأحزاب السِّياسيّة والدُّعَاة والخُطبَاء ورجال الدِّين الذين يأمرُونهُم بعَدم الخُروج خوفـًا مِن الفـِـتنـَة.

- أن الحَدث الدَّمَوي شككَ في حَصِيلة المَغرب الحُقوقيَّة ومدَى التزامِه باحترَام المَوَاثيق الدَّوليَّة لحُقوق الإنسان وحِفظ كرَامَة المُوَاطِنين التي ينص عليها الدُّستـُور المَغربي، كما كشف زيفَ دَعوَى اللجنة الجهَويَّة لحُقوق الإنسَان والمُنظمَة المغربية لحُقوق الإنسان وغيرها من المنظمَات التِي لاذتْ بالصَّمْت ولم تصدِر أيَّ بيان تشجبُ فِيه الفعلَ الإجرامي الذِي أقدَم عليه المُتورِّطون فِي الجَريمَة.

- أن الشَّعب عبر عن سَخطهِ فِي وجه الأجهزَة القمعيَّة والمَخزنيَّة بشكل سِلمِي مُنتظم فحتى أبناء الحُسيمَة الذينَ وصَفتهُم إحدى البرلمَانيَّات بالأوباش، أكدُوا أنهُم ليسُوا كذلك ولم يكونـُوا كذلك، وقالـُوا كلمتهُم المُدَويَّة بأنهُم مُهَمَّشُون ومَحرُومُون ومَطحُونون وجلُّ مَطالبهم تكمُنُ فِي إحقاق العَدالة الاجتمَاعيَّة، كمَا أعربُوا عن استياءهِم من تكرَار مَا حَدَث في السَّابق فِي عَهْد الحسَن الثاني.

- أن الشَّعبَ قـَال كلمَتهُ للحُكومة المُتمَلقـَة التي لا تهُمُّها كرامَة المُوَاطن المَغربي بقدرمَا تهمُّهَا سيَاسَة التحَالفـَات الدنيئـَة والخَسِيسَة وهذا يُعد قمَّة التنصُّل من المَسؤُوليَّة حينمَا لم يكلف رئيسُ الحكومة نفسه عَناء السَّفر إلى مدينة الحُسَيمَة التِي سَخر منهًا ذات يوم قائلا بأنه لا يعْرفـُهَا.

- رَفعَ الشَّعب لشعَار إسقـَاط الحُكومَة مَا يعدُّ دليلا قويًّا عَلى أنَّ الحُكومَة الحَالية تمثل نفسهَا ولا تمثل كلَّ المَغاربَة، فجلُّ المُظاهرَات رفعت شعَارَات تنتقدُ الحُكومَة وصَاحت بصَوتٍ واحدٍ داعية ً فيهِ (عبد الإله بنكيران) بالاستقالة والرَّحيل من الحكومَة.

- كشف وتعْريَة الوُعَّاض والفقهاء ورجَال الدِّين والشـُّيوخ الذين يطبلونَ لرُمُوز الفسَاد ويَلثـُمُون حذاء النظـَام ويَلـُوذون بالصَّمْت حينما يتعلقُ الأمرُ بالإرادة الشَّعبيَّة وكرَامَة المُوَاطنين كأنما دِينُ الإسلام عندهم ضَربٌ من الخَرجَات الفـُولكلوريَّة للتمجيد والتقدِيس والتهليل والتسْبيح والبيعَـة.. بينمَا جَوهَرُ الإسلام يَمكنُ في العَمل بشتـَّى أبعادِهِ خاصَّة فيها يَخصُ حِفظ النفس التي تعد من بين المَقاصد العليَا التِي جَاءت الشريعة الإسلاميَّة لصَونهَا.

 مَوقفِي ممَّا حَدث أنهُ تأخرَ كثيرًا ولكننِي أثمِّنُ مَا قام به المَغاربَة واعتقد بأن الحلَّ الوَحيد مِن أجل نيْل الكرَامَة الحَقيقية في ظل دَولة تقليديَّــة أبويَّـة وفي ظِلّ أحزاب سيَاسيَّة كارتـُونيَّـة يَكمُنُ فقط في الاحتجاج السلمِي والتظاهُرْ المُنظـَّم، فالشعبُ فِي هذه المَرحلة خاطب المَلك مُبَاشرة باعتباره السُّلطة العُليَا للبلاد، و أعتقد بأنَّ ما حدث سَيدفعُ المَلك إلى اتخاذِ إجرَاءَاتٍ كثيرَةٍ كما فعلَ في 2011 حتـَّى لا يتكرَّر مَا حدث، وهَذا في حَدِّ ذاتهِ  يعدُّ امتيازًا ومَكسبًا أسَاسيًّا لا يجبُ الوُقـُوف عندهُ بل فِي المُقابل يجب تجَاوُزُهُ إلى المُطالبَة بالدَّولة الديمقراطية المدنيَّة العَادلـَة المبنيَّة على الفصل بين السلط و المُسَاواة بين الأفراد والحُريَّة والعَدالـَة والكرامة الإنسانية.

 

في المثقف اليوم