أقلام حرة

رشيد العالم: عاش الملك أم عاش الشعب؟

rasheed alalimعاش المَلك!! تربينا عَليهاَ مُذ كنا صِغارًا في المَدارس وكنـَّا نأمَرُ بترديدهَا وإنشادهَا بصَوتٍ عَال في الزيَارَات المَلكيَّـة، ولازمتنا إلى أن صِرنا نعتقد بأنَّ من لا يقولُ عَاش المَلك، إنسانٌ عَديم الوَطنية، انفصَاليٌّ أو مُرتزقٌ أو مُعَارض..، فهَل يَا ترَى صَحيحٌ أنَّ الذِي لا يقولُ (عَاش المَلك) ويقـُول في المُقـَابل (عَاش الشَعب) خائنٌ وأقلَّ وَطنيَّة مِن الذين يصَدحُون عَاش..عَاش..عَاش؟

أعتقدُ جَازمًا بأن الوَطنيَّـة فعلٌ نبيلٌ وبنـَاءٌ إنساني وعُمرَانِي وسُلوكٌ أخلاقِي واجتهادٌ دائمٌ وانضبَاط ونضَالٌ دَائم في سَبيل نصرَةِ قضَايَا الوَطن والدَّفع به إلى مَصَافِّ الدُّول المُتقدمِّة والديمقراطيَّة وليسَت مُحاباة لجهة معينـَة لأن الوطنيَّة الحقـَّة تعلـُوا على الأشخاص و الأحزَاب والتيَّارات والأيديولوجيَّات.. عَلاوة على أنهَا قيمٌ ومَبادئٌ يُناضِلُ المَرءُ من أجلهَا دُون هَوَادَة، إذن، لا يُمكن أن نختزلَ الوَطنيَّـة كمَا تفعل السُّلطة التقليدية في المَغرب فِي أسمَاءٍ مَا أنزلَ الله بهَا من سُلطـَان، ومَن كانَ يعتقد بأن تردِيدَ (عَاش المَلك) كفيلٌ وَحْدهُ بجَعله مُوَاطنـًا أبيـًّا وَفيـًّا مُخلصًا (قحًّا) فذلك إنسَانٌ جَاهل أو تافِـه، لأنَّ هذه العِبَارَة تربينـَا عَليهَا بعَصَبيَّة الدَّولة في عهد (الحسن الثاني) وقوّة السُّلطة وغطرَستهَا ورسَّخهَا المَنهَجُ التعليمِي والإعلام المَخزنِي فِي ذاكرَة الطفل المَغربي، بحيثُ تعلمنـَا كيفَ نحْفظ النشيدَ الوَطنِيَّ و نردّدُ في النهايَةِ على إيقاع واحد (الله، الوطن، الملك) ونصَفق بشدَّةٍ.. لكننـَا لم نتعلم مَفهُومَ المُواطنـَة الحَقيقية بأبعَادهَا الاجتمَاعيّة والقانـُونيَّـة والدُّستوريّة والمَدنيَّــة والأخلاقيـَّة والحقوقيَّة، يَحقُّ للملك أن يَعيش كمَا يَحق للآخرين أيضًا أن يَعيشُوا، والنبي الكريم ربَّى أمَّـته على مَبدأ أسَاسيٍّ وهُو أنَّ كل الناس سَواسية كأسنـَان المُشْط بحُكامِهم ومَحكوميهم، ومنه فلا يَجُوز الغلوُّ فِي تقدِيس شَخص المَلك، وإيثارَهِ على الشَّعب، لأنهُ فردٌ مِنهُم ولا فرقَ بينهُ وبينَ المغاربَة إلا من حيثُ المنصِب والمَسؤوليَّـة، لِي مَجمُوعة من التحَفظـَات على جُملة (عاش الملك) أسردُهَا باقتضَابٍ على الشَّكل التـَالي:

على المُستوى الدِّيني، (عاش الملك) تعنِي تمنـِّي العَيْش والحَياة البَقـَاء و أنْ يَحْظى إنسانٌ مُعينٌ دُون الآخرين بالدَّيمُومَة والبَقـَاء والخلـُود.. وهَذا مُخالفٌ للدين الإسلامِي والنص القرآنِي الذي يقول:  (كلُّ مَن عليهَا فان)، وفي آيةٍ أخرَى خاطبَ فيهَا الله نبيَّه الكريم:  (إنكَ ميتٌ وإنهُم ميِّتـُون).. فأمرُ المَوت والحيَاة بيدِ الله وحدَهُ، ولا يَجُوز لنـَا كبشـَر أن نتدَخـَّل فِي إرادَةِ الله، ونجزم بأن يَزيدًا سَيعيشُ أكثر و أن عَمْرُو سَيموت.. (قل لا يعلمُ الغيبَ إلا الله) ولا يَجُوز اتخَاذ مِثل هَذِه الشعَارات وتلقينهَا للصِّبيَان والصِّغار..، سَينتقدنِي أحدُهُم قائلا بأنَّ (عَاش) لا بدعَة فيهَا ولا ظـَلالـَة وأنهَا نوعٌ مِن الدُّعَاء للحَاكِم، والأمرُ ليسَ كـَذلك، فهَذا ليسَ دُعَاءً، فأن نقـُول: حَفظَ الله مَولانـَا أو أطـَالَ الله فِي عُمْرهِ..، ليس كمثل ترديدِ (عَاش المَلك)، فعَاشَ تعنِي في جُملةِ مَا تعنِيه أن الشخص حيٌّ يعيشُ وَلا شَيء يَطـَالهُ حَتىَّ ولو كانَ قضَاءً وقدرًا إلهيـًّا، إذن فهَناك فرقٌ بين الدُّعَاء للمَلك وهذا لا حَرج فِيه، لكنَّ الجَزمَ بأنهُ سَيدُومُ وأن حَاله ليسَت كحَال البَشَر فهذا زيغٌ حتى عَن تعَاليم العَقيدَة الأشعَريَّة فِي المغرب. 

الأمر الآخرُ أنَّ (عَاشَ المَلك)، تختزلُ صِفة مِن صِفـَات القدَاسَة أو التقديس والغلـُو فِي حُب الإنسان والله سُبحَانه يَقـُول  (ومِن النـَّاس من يتخذ أندادًا يُحبُّونـَهُم كحُبِّ الله والذِينَ آمنـُوا أشدُّ حبًا لله)، فأعظـَمُ الحُب والتعلق هُو التعلقُ بالله وحَدَهُ لا التعلق بمَلكٍ أو قـَائدٍ أو رَجُل دِين أو شَـيخ أو أمين عام لحِزبٍ معين...

فحُبُّ الأزلِيّ أجلُّ وأعظــمُ مِن حُبِّ الفـَــانِي.

أن (المَلك) هُو مِن أسمَاء الله الحُسنـَى فلا يَجُوز نسبتهُ إلى البَشر -بالمَعنى الذِي يُنسَبُ بهِ إلى الله- مَهمَا كان نسبُهُم الأصلِي ومُستـَوَاهم الاجتماعِي، فالمَلكُ الوَحيدُ هُوَ الله، أمَا المَلك بالمَعنـَى الحَالي فهُوَ الحَاكِـم، فحتى فِي العَصر الرَّاشِيدي والأمَوي والعَبَاسِي لا نجدُ أنَّ بنِي العبَّاس ادعَوا المُلك، ولا بنِي أميَّة ولا غيرُهم، بل نجدُ بأنهُم ادعَوا الخِلافة الإسلاميّة، لأنَّ مفهُوم المَلك لا يمُتُّ إلا الثقـَافة والترَاث الإسلامِي والعَربي بصِلـَة وإنمَا تمَّ اقتباسُهُ من أدبيّاتِ الفـُرس والرُّوم والنصَارَى الذين كانوا يُنصِّبون أنفسهُم مُلوكـًا، فمفهُوم المَلك الحَالِي هُو مَفهُوم غربيٌّ فرضَهُ المُستعمِر الفرنسِي عَلى الدَّولة المَغربيَّة، لأننـَا حينمَا نراجعُ كتبَ التـَّاريخ، فإننا لا نقفُ عَلى المَلك إدريس الأول، بل نجدُ السُّلطـَان مولاي يُوسُف والسُّلطان مُولاي عَبد الحَفيظ..إلخ 

أما على المُستوَى القانونِي والدُّستوري، فإنه لا وُجُود لأي بندٍ يفرضُ على المُوَاطن التغنِي بـ (عَاش المَلك) فالدُّستور المَغربي فِي (الفصل6) ينصُّ على أنَّ: " القانون هُو أسمَى تعبير عَن إرَادَة الأمَّة، والجَميع أشخَاصًا ذاتيِّـين أو اعتبَاريِّين بمَا فيهم السلطات العمومية متساوُون أمامَهُ وملزَمُون بالامتثال له " أي أن الملكَ قبلَ أن يكونَ ملكـًا هُوَ مُواطنٌ مثله مثل كل المُغَاربَة، يحمِلُ البطاقة الوطنيَّة، ويَجبُ عليه كحَال الجَميع أن يَخضَع للقانـُون لا أن يتعَالى عَليْه، لأنه لا فرْق بَينهُ وبينهُم إلا من حَيث المناصِب والمَسؤوليَّة، فالنصُّ القانونِي يؤسّسُ المُوَاطنة عَلى مَبدأ خِدمَة الوَطن والدِّفاع عَن مَطالب شعبهِ و نصْرَة قضَايَاهُ العَادلـَة، والملك نحترمه جميعًا، لكن هذا الاحترام عليه أن يُؤسس على مَبدأ ديمقراطي يضمَنُ للمُوَاطن حُريَّة التعبير عَن رأيهِ وانتقاد ملكه، كما تفعله الشعوب في الدول الديمقراطية. لأن المَلك إنسانٌ كحَال البشر يُخطئُ ويُصِيب ولا يَجُوز أن نضفِيَ عَليه طـَابع العِصمَة والقداسَة.

أما (عاش السِّيسِي) و(يَحيَا بُوتفليقـَة) و(ويحيَا خليفة بين زَايَد) مَع الأسف لا نجدُهَا إلا في قامُوس الدُّول التِي تكرِّسُ الاستبدَاد والخنـُوع والعُبُوديَّـة ونظـَام السُّلطة التقليديّة، فنحنُ لا نسمَعُ فِي الدُّول الأورُوبيَّة مثلا: (عَاش أوبَامَا) وهُوَ رَئيس أعظم دَولة فِي العَالم، بل نسمَعُ (عاشت أمريكا) ولا نسمع في فرنسَا خامسَة أقوَى دَولةٍ فِي العَالم (عَاش فرَانسوَا هُولند) بل نسمَعُ (عَاشت الجمهورية) vive la république ولا نسمع عاش (فلادمير بوتـن)، بل فِي المقابل نسمعُ عَاش الشَّعب الرُّوسِي..

 فحتـَى فِي عَهد الخلافة الراشدة، لا نجدُ أثرًا في أدبيَّات الترَاث الإسلامي يَدلنا على أنَّ تابعيًّا أو صحَابيًّا كانَ يقولُ (عاش عُمر بن الخطاب) أو (عَاش النبي مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم) أو (عاش أبو بكر الصّديق).. هَذا الأمر لا نجدُهُ  إلا فِي المَغرب، أينَ هُوَ الشعبُ يا ترَى؟ إذا كان الملك جُزءًا لا يتجزَّأ من الشَّعب المغربي فلمَاذا لا نغير الشِّعَار على الأقل بـ (الله، الوَطن، الشَّعب)

ولمَا ظلَّ الشَّعبُ مُنذ عُقود يصدَحُ (عَاش الملك) بينمَا لم نسمَع قط أنَّ المَلك ابتدأ كمَا يفعلُ جلُّ زعمَاء الغـَرب أو اختتمَ خِطابَهُ بـ (عاش الشَّعب)

ألا يَستحِـــقُّ للشـَّعب أن يَعيش؟ أو بالأحرَى أمَا حَان للشَّعْب أن يَعِيش؟

 

 

في المثقف اليوم