أقلام حرة

عماد علي: ما يجري في كوردستاننا

emad aliكوردستان بوضعها الحالي وهي بعيدة عن تعريف معين قانونيا وحالا، لا دولة بمؤسسات معترفة بها، الا انها تتصرف من خلال قادتها كانها دولة، ولكنها فوضوية على ارض الواقع نتيجة سلوك وافعال القادة والاحزاب المعتمدين على مصالح شخصية وحزبية ضيقة بعيدا جدا عن المصالح العامة، ولا تمارس حقها وفق ما يمله عليها القانون كاقليم تابع لدولة معترفة بها دوليا على الارض، عدا ما اقر على الورق بشكل قانوني من خلال الدستور العراقي ولم يلتزم به الجانبان كثيرا ايضا.

بعد اكثر من ثلاث عشرة سنة من سقوط النظام العراقي السابق، وبعد خروج اقليم كوردستان اكثر من خمس وعشرين سنة من براثن النظام، لم يتوقع احد ان تبقى كوردستان على هذه الحال بما فيها من التراوح الدائم وما يتخلله من التراجع المشين، والخلافات بين الاحزاب التي ابتلى بهم الشعب الكوردستاني منذ دخلت المصالح الكبرى وفي مقدمتها ملذات السلطة والمال بينهم، وبالاخص في ظرف يغيب عنه اي قائد محنك زاهد او مخلص للشعب الكوردستاني بكافة مكوناته وشرائحه، بل يهتم كل منهم بجزء وقطاع وبقعة معينة فقط ويعمل بخلفية ضيقة جدا.

اليوم، ونحن في مرحلة، يبحث الكثيرون  من حولنا عما يحدث ويتفاوض الكثيرون سرا وعلنا على ما بعد الخلاص من داعش،  واقليم كوردستان في قمة خلافاته المتعددة نتيجة الفراغ القانوني الذي تعيشه سلطته التنفيذية المختزلة برئيس الاقليم بسبب شخصية واحدة فقط وهي بعيدة عن ما يمت بالحكم في اية بقعة في العالم، ناهيك عن كوردستان التي تريد لها قائد بمعنى الكلمة وان يكون له المقدرة والعقلية التي تقيَم الوضع القائم في العراق والمنطقة بشكل دقيق وعلمي اكثر من كوردستان ذاتها ومن المفروض ان يستدل من الموجود ما يمكن ان نصل اليه، الا اننا نعيش في واقع ليس فقط لا يمتلك اقليم كوردستان سلطة شرعية  وانما ليس هناك قائد مميز يمكن ان يحميه من المتغيرات السلبية المنتظرة على طريقه فيما بعد كل هذه التعرجات المنتظرة لمسيرة المنطقة التي يمكن ان تمر بها هذه الدول وليس اقليم كوردستان فقط.

الوضع في اقليم كوردستان متازم الى حد يمكن ان نقول بانه منقسم على نفسه وهو يعيش في ظل ادارتين متناقضتين ومتعاكستين لا يؤمن احداهما باخرى ولا يحسبان للبعض على ارض الواقع وما هما موجودان به. فهنا اي في القسم المعلوم جزافا بالاخضر تعيش الناس يوميا في نشاطات اعتراضية كبيرة ضد السلطة في القسم الاخر المعروف بالاصفر ايضا. بينما يتحرك الشعب مع تظاهرات المعلمين والموظفين ويشاركهم على مضض سواء نتيجة اثارة حزبية او نتيجة الفراغ الناجم عن الركود المسيطر على السوق وهم على الملل المسيطر عليهم والذي يعيشونه، غير ابهين باي شيء وانما يشاركون عفويا دون هدف ما او من اجل المشاركة فقط، لانهم ملوا من النشاطات وعدم تلقيهم اي جواب، ولا ياملون اي جواب ايضا، وعلى ارغم من مشاركتهم في الفعاليات الا انهم يعتقدون على انهم لا يمكن ان يحققوا بهذا الشكل السلمي ما يهدفونه من نيل مستحقاتهم القانونية من الامتيازات وبالاخص رواتبهم الشهرية التي ذهبت سدى نتيجة الاخطاء الكبيرة لدى الاحزاب المصلحية المتسلطة وضيق افقهم وفي ظل انعدام الخبرة المطلوبة لمثل هكذا حال لدى اي منهم. وتوصل الجميع الى اقتناع بانه لا حل سوى اما بتغيير موضوعي في المنطقة ويشملهم ويجرف الاقليم معه او بنشاط وحركة غير سلمية ذاتية سواء على شكل انتفاضة او ثورة، وهذا بعيد لان شروطها الذاتية والموضوغية غير متوفرة، وعليه يعيشون عبثا في تفكيرهم نتيجة ما تلقوه من التعنت وعدم الالمام بهم من قبل السلطة المتنفذة غير الشرعية اساسا لمطالبات المتظاهرين والمعارضين.

وعليه نحن وصلنا الى الحد كل منا منغلق على نفسه ولم ير اي منا الافق مفتوحا للحل، الا بطريقتين :

*حصول تغيير شامل للمنطقة ويمكن ان يشمل الاقليم ويلف معه هذه القادة او يقلل ويصغّر من نفوذهم بحيث يمكن ان يخرج كل ما يملكون من السلطة والمال والنفوذ من اياديهم، او يلفون مع عاصفة التغيير الشامل المحتمل من خلال الافعال الكبيرة المنتظرة لتغيير خارطة المنطقة بشكل كامل وبايدي الكبار المتنفذين عالميا، بحيث يمكن ان لا يحسب لهؤلاء القنافذ اي حساب.

* حدوث الهيجان الداخلي نتيجة استمرار الوضع الاقتصادي المتدهور بحيث يذهب بها ما بني نتيجة سيل دماء المخلصين خلال العقود مع الريح ويخرج الشعب من المولد وجعبته خالية بلا حمص ولكن بعيدا عن هؤلاء المتنفذين.

انني شخصيا لم اكن اتوقع ان ارى من يعتبر نفسه رئيسا للاقليم ان يتعامل مع جزء من شعبه بهكذا عنجهية وتهور واستعلاء وغرور من الفراغ الذي يعيشه وليس من القوة وهو يتكلم بتهور من  زاوية ضيقة جدا نتيجة الحقد المتراكم في نفسيته على الشعب والاخر المعارض ويعيد الى الاذهان بانه يحمل كل ذلك البغض من ما حدث لمقراته الحزبية من قبل شعب منتفض عليه دون ان يلتفت ولو لحظة الى ما احدثه هو بايديه من القهر والظلم نتيجة اخطائه الجسيمة. فهل من المعقول ان يتقول بكلمات علنية ومهرجة وبعيدة عن الدبلوماسية والاحترام عن حتى جزء من شعب يعاني من الفقر في حياته الخاصة وليس له اية علاقة مع اي حزب ولم يبال به بل يدعوه الى الرقص بكل اجحاد ويعتبر نفسه اب للشعب، ليس لشيء وانما لانهم يطالبون بحقوقهم المشروعة. اذاَ، نحن على مفترق طرق خطيرة من كافة جوانبها ولا يمكن ان نخرج منها سالمين قبل تصليح الحال وقبل الوصول اليها، فان تاخرنا وانا شخصيا على اليقين باننا نتاخر ونصل اليها، فاننا نهمش ونقع على حافة المسيرة التي تحدث وعليه سنكون في هامش التاريخ ايضا كما كنا من قبل، وهذا بفضل عقلية القيادة الكوردية الحكيمة! وان حدث وتراجعنا عما نحن فيه ولو متاخرا وهذا مستبعد ايضا،  فاننا لم نصل الى ما نويناه ودفعنا الدماء من اجله من قبل دوما، لتاخرنا في تهيئة الارضية والمتطلبات الضرورية لتحقيقها . وفي كلا الحالتين خسرنا كثيرا ولكن الخسارة في الحالة الثانية اقل، لذا لم يبق الا وقت قليل جدا للعمل الجاد... وهكذا يعيد التاريخ نفسه في كوردستان وبشكله المؤسف جدا ولم يتضرر من ما يجري الا الشعب الكوردي على الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها طوال نضاله المقدس لتحقيق اهدافه المحقة اساسا بكافة التشريعات والقوانين الارضية والسمائية. وهنا اسال، هل من مخرج اخر لا اعرفه انا؟    

 

في المثقف اليوم