أقلام حرة

حميد طولست: المعتقدات الخرافية وتشكيل الحكومة!!

hamid taoulostمن المعلوم أنه كلما اتسعت المعرفة لدى الإنسان، ضاق الخناق على الخرافة، وكلما ضاقت المعرفة على الإنسان ملأت الخرافة ذاك الفراغ المعرفي"، ولذلك فإنه من حق المواطن المغربي أن يعرف السر وراء تأخر تشكيل الحكومة المغربية، ومن المسؤول عن ذلك التأخر، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات سياسية واقتصادية ودبلوماسية  تضع مؤسسات عمومية هامة في عطالة لأجل غير مسمى، و تهدد الوضعية السياسية العامة للمملكة بتبعات وخيمة .. فغياب المعلومة وضبابية الرؤيا وغموض القرارات والمواقف المواكبة للمخاض العسير الذي تعرفه ولادة الحكومة، واكتفاء المسؤولين على تشكيلها بإلقاء الاتهامات بالأحزاب، دون تقديم تفسيرات مقنعة، أثر كثيرا على المواطن المغربي ووضعه في مواجهة مباشرة مع قراءات وتفسيرات خرافية، كبديل أمثل لشغل الفراغ المعرفي الذي يغشى تشكيل الحكومة،

خرافات يضحك منها البعض ملئ شدقيه، يعتقد بها البعض الآخر بحقيقتها اعتقادا راسخ، وهي قصص وحكايات كثيرة من أدراج الماضي يصبغونها على الحاضر كما هو الحال مع حدث تشكيل الحكومة والتي تداولها الكثيرون، والتي سأقوم بحول الله وقوته بسرد جزء يسير مما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، وما روج له "راديو" المقاهي وألسنة الأندية، كشماعة أو سببا لتأخر مجيء الحكومة الجديدة أو"البلوكاج " الذي اعتراها، وهي كثيرة جدا، لو أريد حصرها جميعها لاحتاج الأمر إلى مؤلفات، لما تختزنه الذاكرة المغربية من كم هائل ومتنوع من المعتقدات الشعبية المرتبطة ارتباطاً مباشراً مع غريزة عقيدة الدين.

ورغم انقسام الآراء حول منظومة الخرافات المختلفة تلك، بين  ضاحك منها ومستهزئ بها، و مصدق ومؤمن بوقوعها، فقد آثرت أن أنقل للقارئ أكثرها رواجا  وانتشارا بين الناس، لطرافة أغناء الموضوع، وقد كانت أولا الخرافات وأسرعها ديوعا تلك التي عزى أصحابها تأخر تشكيل الحكومة إلى الحسد و" العين الشريرة " الاعتقاد المتأصل في مجتمعنا، والضاربة جذوره في القدم، والذي يؤمن المغاربة إيمانا قاطعا  بقدرة العين على إلحاق الأذى بالآخرين، وقد أشار بعض الظرفاء على السيد بنكيران بتلطيخ حوائط مكتبه بدم الأضحية لدرء الحسد وإبعاد العيون الشريرة، ووصف آخرون خلطة من الشبة والحرمل لرد العين الحاسدة، كتلك التي دأبت بعض ربات البيوت على تبخير منازلهن لحماية أحبابهن، وهن مقتنعات بمفعولها في رد الشرور.

وثاني الخرافات والنابع دائما من إيمان مجتمعنا بكل ما هو معتقد خرافي ما ورائي، تلك التي رد القائلين بها سبب التأخر تشكيل الحكومة إلى زعم ما لاحظوه من تنقل قط أسود ضخم ومخيف متبختراً بين بيت السيد بنكيران في حي الليمون ومقر حزب العدالة والتنمية، والذي كان يرابض أمامه وقتا معينا ثم ينسل نحو البيت،  ليقبى قبالته على الرصيف مبحلقا بطريقة تثير الذعر والخوف في من يشاهده على تلك الحال، ما أحيى لدى الكثيرين المعتقد الفلكلوري الخرافي الزاعم بارتباط القط الأسود بالسحر، وبأن القطط السوداء هي خدمة الساحرات ، وبأن مرور القط الأسود قاطعا الطريق على إنسان هو نذير شؤم، ما دفعهم لجعله سببا لما اعترى تشكيل الحكومة من نحس وعكوسات، بينما نظر غيرهم بعين الريبة إلى أفواج الغربان التي شوهدت تحوم في سماء حي الليمون الذي يوجد به مسكن رئيس الحكومة، وحملوها كل أسباب" البلوكاج"، لما  يرون في الغراب من تجسيد كامل للشؤم والنكد، كما تحدث عنها الجاحظ في كتابه الحيوان قائلا :"ومن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقُّوا من اسمه الغربة، والاغتراب، والغريب. وليس في الأرض بارح ولا نطيح، ولا قَعيد، ولا أَعضب ولا شيءٌ مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه ".

وأختم بالتأكيد والجزم وبلا أدنى أشك، على أن لرئيس حكومتنا المحترم رأي متباين فيما يخص ما سبق من المعتقدات الخرافية، وعلى رأسها العين الشريرة، لإيمانه القاطع بأن عين البشر ليس بإمكانها أن تؤذي الآخرين بمعزل عن إرادة الخالق،  وذلك لأن الله هو الذي يقدر ويجري الأمور، أما تشكيل الحكومة فتتدخل فيه عوامل بشرية وتقنية .

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم