أقلام حرة

صالح الرزوق: وفاة كاسترو

saleh alrazukغادر كاسترو العالم بهدوء بعكس ما حصل مع أهم شخصين رافقا صعوده في الستينات،

الأول هو كينيدي.

فقد اتصفت حياة كينيدي بالجماهيرية والنجومية،

حتى أن عاءلته تحولت إلى أسطورة،

لقد لعب كينيدي بكل الأدوات التي تؤثر بالنفوس البشرية، ولا سيما الكاريزما والمرأة.

و لا يمكن أن ينسى أحد أنه اقترن بمدللة هوليوود مارلين مونرو.

كانت سياسة كينيدي تحاول أن تلغي الأثر المتبقي من أيام المكارثية وأساليبها في إدانة اليسار وتصفيته.

فقد سارت المكارثية على خطوات هتلر في كل شيء.

ضربت  أعداءها الإيديولوجيين بقوة واستغلت الفرصة لتصفية  الخصوم.

وقامت برعاية مجتمع متجانس منعدم الطبقات تحكمه المشاعر الوطنية فقط.

و أدى ذلك إلى تنمية ركائز الشعبويين. وهم بالعادة من المحرومين من الثقافة الذين يقتاتون على فتات الحياة، سواء في احتياجاتهم المادية أو الفكرية.

إنهم فئة اتكالية قصيرة النظر، تؤمن بالعنف لحل المشاكل العاجلة.

و تضخم من تأثير الخيال في اتخاذ القرارات. لا يوجد طبقة مستعدة لخيانة مبادئها مثل الشعبويين، فهم يتظاهرون بحماية الأخلاق والقيم النبيلة والشرف، لكن في نفس الوقت لديهم انتحاء طبيعي للردة.

و بوسعنا أن نضرب حالة الرئيس المصري السادات، كمثال.

لقد اعتمد على هذه الشرائح لتغطية سياسته الانقلابية والانقضاض على  قواعد حزبه، وما فعله يمكن قراءته على أنه تفكيك للحزب من الداخل.

و ببساطة أرى أنه الوجه المستور لمحمد نجيب، فقد اعتمد مثله على الإخوانيين، وعلى الكوادر الشعبوية المحسوبة على عبد الناصر. والتي تصب في النهاية في مصلحة التيار الأقوى.

كان مكارثي من هذا النوع، فقد اختار إلغاء الطبقات ولكن ليس لبناء مجتمع يتحقق فيه العدل والمساواة بين جميع أفراده وإنما للتعبئة وإعلان النفير العام وتنمية الغرائز الوطنية.

لقد  ألغى الحياة المدنية مثلما نكل هتلر بنشاط الجمعيات والنوادي تمهيدا لحزبه النازي وأحل بمكانها حياة الانضباط العسكري. حتى أن الأسواق أصبحت جزءا من عسكرة الدولة. وإذا لم تكن حكومة مكارثي عسكرية فأقل ما يقال عنها إنها حكومة شرطة سرية وبوليس.

كانت الاعتقالات تجري بموجب قانون الطوارئ وتتم التحقيقات في ظروف غامضة وبتكتم شديد.

ويعود الفضل بعودة الحياة الطبيعية إلى خصال كينيدي. فقد بنى سياسته على أساس عاطفي وإنساني. وربما كانت الحياة التي بشر بها هي ما نسميه بالحلم الأمريكي، مجتمع الرفاه والوفرة، وفوق كل ذلك الحرية.

و كلفه التعصب لهذه السياسة توريط الديمقراطيين بخطيئن.

 وهما غزو فيتنام وشن حرب ضد كاسترو في خليج الخنازير.

هذه السياسة لم تعالج تهور المكارثيين بل إنها حولت مسارها، من تطهير أمريكا من اليسار إلى محاربة اليسار في العالم.

و تسببت بالتالي إلى تفاقم العنف ، وانتهت بالنهاية التراجيدية المعروفة وهي اغتيال كينيدي نفسه.

الشخص الثاني هو خروتشوف.

كانت سيرة خروتشوف تتسم بالنجومية والتهور.

وتغلب الإفراط والمبالغة على أدائه   .

من لم يسمع بحكاية الإنذار الذي وجهه للتحالف ضد مصر عام ١٩٥٦ في اجتماع الأمم المتحدة؟.

و يوجد في الأرشيف عشرات المواقف المماثلة التي تؤكد أن خروتشوف شخص عدواني ومتهور وسليط اللسان. بمعنى أنه إنسان عاطفي يفكر بقلبه وليس بعقله، ويضع طموحات روسيا فوق أي اعتبار.

و كان لا يتورع عن مخاطبة زعماء العالم الثالث المتملقين بصفات نابية ، فقد أطلق على عبد السلام عارف صفة المعزاة لأنه اضطهد الشيوعيين في العراق.

كان كاسترو حريصا أن لا يكرر تلك الأخطاء. فلم  يفرط بمنطق القوة كما فعل كينيدي، وهاجم الامبريالية بتعقل وانضباط بعكس خروتشوف.

و مع أنه في حياته الشخصية كثير الانفعال وإنسان عنيد ويحتفظ في السر بعلاقات متعددة مع النساء  لكنه سوق صورته بشكل رمزي.

و ضمن لنفسه سمعة قائد عسكري في بلد برلماني ويحترم الدستور..

لذلك ضبط كاسترو البلاد  بطريقة المكاتب.

و أسس إدارة بيروقراطية يديرها عقل شمولي لا يمكنك التفاهم معه.

وهكذا ضمن للسيستام البقاء. ولا أحب أن أترجم هذه الكلمة بالنظام، فالسيستام هو آلية النظام، أو الخطاب المفروض.

ومصطلح أنظمة في الواقع يدل على هيكلية معينة، أو بنية أساسية تعكس البنية الظاهرة .

كما هو حال  العقل الرأسمالي أو الإشتراكي.

إنما اعتمد كاسترو على حكومة وطنية وضعت نصب عينها البقاء في الدولة وبناء صداقات لا تلغي مبدأ السيادة في اتخاذ القرار.

 كان كاسترو رابع ثلاثة.

عبد الناصر ونهرو وتيتو.

ورحيله علامة على نهاية أخلاق العالم الذي أسسته نتائج الحرب عام ١٩٥٠.

 

في المثقف اليوم