أقلام حرة

صادق السامرائي: إذا سقط الأصل سقط الفرع"!!

هذه قاعدة فقهية معروفة ومعمول بها، فاللعبادات أصول وفروع، ولابد من تمام الأصل لكي يكون الفرع صحيحا.

وهي إقتراب أوسع من حصرها في سلوك تعبّدي أو طقوس دينية وآليات عبادات وحسب، وإنما تشير إلى مفهوم كوني راسخ وقانون قاطع لا يقبل الخطأ، فلكل حالة أصل، وإذا إنتفى الأصل إنتفت الحالة وفقدت معناها وجوهرها.

فالشجرة لها جذور وساق وأغصان أو فروع، والأصل فيها الساق بجذره، الذي إذا إنقطع ماتت الفروع وتحطّبت، بينما إذا قطعت فرعا أو عدة فروع فأن الشجرة باقية ولديها القدرة على التفرع الأكثر.

والأمم الأخلاق ما بقيت، أي أنها الأصل في قوة وقدرة الأمم وعزتها وكرامتها وتقدمها، وإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا، لأن من الأخلاق تنبت الفروع القادرة على الحياة الوارفة الظليلة الهانئة، وما أن يسقط الأصل تسقط الفروع.

والعدل أصل في الدول والمجتمعات، وإذا سقط العدل عمّ الفساد والظلم، وشاع القهر والجور بين العباد، وكل بلاد بلا عدل تعيش في ذل وهوان وخسران.

والأوطان أصول وكل ما فيها فروع، فإذا سقطت الأوطان ذهب ما فيها ، ولهذا نجد بعض الأوطان التي سقطت، ذهبت الحياة فيها وتخربت ديارها وتشرد أبناؤها، وأصابها الهوان، وعبثت فيها القوى المفترسة القادمة إليها من حيث تدري ولا تدري.

وفي الدول المتقدمة يكون الدستور أصلا وتتفرع منه قوانين وآليات تفاعلية ما بين أبناء الوطن، وهذا الأصل قد يصل في بعضها إلى ثابت محرم المساس به أو زعزعة أركانه، وإنما يتم إضافة ما يعززه ويثبته ويزيد من هيبته وقيمته ودوره في الحياة، لأنها تعرف قيمة الأصل، وضروراته القصوى لأي فرع في المجتمع.

والدين أصل ومدارسه ومذاهبه وطوائفه فروع، فإذا توهم الفرع بأنه الأصل فأنه يُسقط الأصل ويتسبب بسقوط ذاته وجميع الفروع الأخرى، وهذا ما يحصل في بعض المجتمعات التي أسقطت اصل الدين وحسبت الفروع هي الدين، مما أدى إلى تلاحيها وإصطراعها الدامي، وتبعيتها وخنوعها للآخرين الذين يستهدفون أصل الدين.

ولهذا فأن من الوعي الحضاري الإنتباه إلى الأصل في كل شيئ للحفاظ على تمامه وكماله، وتنمية فروعه التي يغتني بها ويتقوّى ويتطور، وأن يكون العمل جادا على ترسيخ قيمة الأصل وعدم الإستهانة به أو الإعتداء عليه.

وهذا الدستور السلوكي الذي يردده فقهاؤنا لا يتحقق في واقعنا اليومي، وكأنه للفقه وحسب، وكأن الفقه زوايا ضيقة، وليس أفقا مطلقا متفاعلا مع الحياة البشرية وفقا لأحكام الزمان والمكان، والتي يتم نفيها من وعي الأجيال لحشرهم في جحيمات سقر.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم