أقلام حرة

حسن زايد: جذور الإرهاب

hasan zayedأردية الحرباء التي تلتحف بها جماعة الإخوان، لن تخفي حقيقة مسالكها، وقفازاتها الحريرية لن تخفي أنصال الخناجر الموجهة صوب الوطن. فالأصل عندهم أن الوطن ليس مساحة من الأرض يسكنها بشر، وبتعبير منظرهم الأكبر سيد قطب: " حفنة من التراب العفن "، وإنما الوطن لديهم وطن عقيدة وفكرة . ولا أدري كيف يستقيم هذا المفهوم مع مفهوم الجهاد الذي تتلمذنا فيه علي أيديهم، حيث يظل الجهاد فرض كفاية، طالما كان العدو علي تخوم الوطن، ويصبح فرض عين إذا ولج فيه، متجاوزاً تلك التخوم. ولا أدري كيف يستقيم هذا المفهوم عن الوطن، مع وجود أقليات مسلمة في أوطان الآخرين من غير المسلمين، ووجود أقليات غير مسلمة في أوطان المسلمين . إلي من يكون ولاؤهم؟!. كما أن الوطن ليس فقط حفنة من تراب، أو حدود جغرافية ينحبس فيها البشر، وإنما الوطن، كحفنة من تراب، نبت فيه الجسم، وعلي عناصره تغذي، وبماءه ارتوي، ولهواءه تنفس . كما أن الوطن مجتمع وعلائق متداخلة متشابكة متفاعلة، ومنافع إقتصادية متبادلة. فضلاً عن كونه، مشاعر، وأحاسيس، ومدارك، وتصورات، وأحلام، وكيمياء متفاعلة، بين الزمان والمكان . ولعل في هذا ما يفسر حالة الحنين والشوق، التي تنتاب الغرباء، حين يطول بهم المقام، خارج تخوم الوطن . والوطن كالبيت سواء بسواء، فانتماء الإنسان وولاءه لبيته الصغير، كانتماءه وولاءه لبيته الكبير، ليس فقط من أجل الأرض والجدران، وإنما لوجود أسْرَة، ودفء، واحتواء، واحساس بالملكية والملاذ، واحساس بالراحة والسكينة، واحساس بوجود المرجعية، والحضن الدافيء . حين يفقد الإنسان هذا كله بالنسبة للوطن، فإنه فاقده لا محالة بالنسبة لبيته، ومن يفقد ذلك بالنسبة لبيته، فَقَدْ فَقَدَ الشيئ الكثير . ولا أدري كيف يكون الوطن مجرد فكرة مجردة، مستكينة داخل الذهن، أو ركينة الوجدان. والطريف أن أحداً منهم لم يلتفت إلي موقف النبي  صلي الله عليه وسلم  من مكة حين تركها قهراً، فراراً بالدعوة . وقد ترتب علي ذلك الإعتقاد في الوطن، الذي تم غرسه في القلب والوجدان، أن الوطن وثن، يتعين الكفر به، حتي تكتمل دوائر الإيمان . وقد تربي النشء علي ذلك منذ نعومة أظفارهم، حتي شبوا عن الطوق، وأصبحوا رجالاً، نحتت وجوههم، ونبتت لهم شوارب وأذقان . فماذا ننتظر من أقوام هذا شأنهم، وهذا ما شبوا عليه؟ ! . هل يمكن الحديث معهم عن حب الوطن، وهو بالنسبة لهم وثن؟ ! . هل يمكن الحديث معهم عن الولاء الوطني، وهم قد كفروا به؟ ! . هل تصبح للخيانة الوطنية لديهم معني؟! . وهل بيع الوطن  اللاوطن  خيانة؟! . بالقطع أن كل هذا لديهم هراء، باطل وقبض الريح . والكلام في هذه الجوانب من قبيل السفسطة الفارغة، التي لا جدوي من وراءها، ولا طائل يرجي منها. ومن هنا يمكننا القول، وبأريحية، أن كلام الإخوان عن مصر / الوطن هو كلام للمزايدة، ولا محل له من الإعراب في عقيدتهم . فإذا أضفنا لرأيهم في الوطن، رأيهم في المجتمع القاطن بهذا الوطن، لأدركنا بسهولة ويسر، لماذا يتصرفون علي هذا النحو المَرَضِي . فرأيهم في المجتمع أنه مجتمع جاهلي . والجاهلية مصطلح يطلق حين يطلق علي فترة ما قبل البعثة النبوية . وهذه الفترة كان يغلب علي المجتمع فيها طابع الكفر والضلال . وهي حين تطلق الآن، فإن المعني من وراءها واضح، لا لبس فيه ولا غموض . وحين اتُّهِمَ سيد قطب  منظر الجماعة  بتجهيل المجتمع وتكفيره، انبري أخوه  محمد قطب  مدافعاً عن فكرته، بالذهاب إلي القول بأن تجهيل المجتمع وتكفيره، يختلف عن تجهيل الأفراد وتكفيرهم، فكفر المجتمع وجاهليته، لا يعني بالضرورة كفر أفراده وجاهليتهم . وهو منطق معوج لا يستقيم مع العقل، لأن المجتمع ما هوإلا مجموع أفراده . ومحمد قطب نفسه قد عنون لأحد كتبه بعنوان: " جاهلية القرن العشرين ". والتكفير أو التجهيل يعد السند الرئيس للقتل والذبح والتحريق، الذي تمارسه الجماعة الأم والجماعات المنبثقة عنها، والخارجة من تحت عباءتها . إذن فالقتل والذبح والتحريق جهاد في سبيل الله، والموت في سبيله شهادة، يضمن بها حسن الخاتمة، والفردوس الأعلي من الجنة . ومن هنا يمكننا القول بأن هناك خللاً هيكلياً في بنية تفكير هؤلاء الناس، وتركيبتهم النفسية، لأنهم في الأصل قد بنوا مشروعهم علي مقدمات خاطئة، لابد وأن تفضي في النهاية إلي نهايات مفجعة . فهل إلي إصلاح هذا الخلل من سبيل؟ .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم