أقلام حرة

حاتم جعفر: على هامش المقابلة.. د. رائد فهمي والقناة العراقية

في لقاء متلفز استغرق قرابة الساعة من الوقت، فشل الطرفان، المحاور مؤمل مجيد وضيفه في تقديم ماهو مفيد وممتع للمتلقي. ففي مساء الأربعاء المصادف 7 كانون أول 2016 استضافت القناة العراقية الرسمية، السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والذي تمَّ انتخابه مؤخراً، على أمل القاء الضوء على أهم ما تمخض من نتائج عن أعمال المؤتمر العاشر للحزب والذي انعقد قبل بضعة أيام.

 ومن اللحظات الأولى للقاء بدت تظهر بعض المؤشرات التي تدلل على عدم حيادية القناة بالرغم من إدعاءها ذلك وزعمها الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، بحسب ما يشيع المشرفون والقيمون عليها، إستناداً الى طبيعتها الرسمية بإعتبارها ناطقة بإسم الدولة. وكي نكون موضوعيين أكثر فسنفترض حسن النية، فربما حاول المحاور أن يلعب دور الند أو المستفز، ليُخرج مافي جعبة ضيفه من معلومات، قد تفيد الهدف المرتجى، وانه لعمري أمر حسن ومستساغ في فن الحوار.

 رغم ذلك فسأذهب الى منحى آخر وقد يظنه البعض مجافياً لما جرى، وفي كل الأحوال فالأمر لا يخرج عن جملة إنطباعات، آمل أن تلقى بعض صدى. ففي حوار تنقصه المهنية حاول المحاور أن يتظاهر بصورة العارف والمتمكن من إدارة الحوار، وبلغة يظنها موفقة ولا تخرج عن متطلبات وشروط المهنة، وذلك من خلال إستخدامه لبضعة كلمات، قد تعطي للمتلقي بعض المؤشرات التي يُفهم منها بقدرته على المسك بالحوار والضيف على حد سواء، والأخذ بهما بالتالي الى حيث يريد. ومن ذلك على سبيل المثال تطرقه الى فترة أواخر السبعينات وإضطرار قواعد الحزب وقادته الى الخروج من الوطن، تحت وطئة الضربات الموجعة والهجمة الشرسة التي تلقاها، اسوة بالقوى الأخرى وبعض الشخصيات التي كانت تشكل قلقاً مستداماً للنظام الحاكم، انطلاقا من بعض حساباته القصيرة النظر والأمد، والتي افتقرت بلا شك الى الحكمة والى عدم القدرة على قراءة المستقبل وما يمكن أن يخفيه.

 لذلك راح المحاور يَعقدُ وعلى طريقته الخاصة وبشكل انتقائي، بعض المقارنات بهدف الإساءة الى تأريخ الحزب أو على الأقل التقليل من شأنه ومكانته، مذكراً المشاهدين بحالة (الهروب) التي طالت قيادات وقطاعات واسعة من قواعد الحزب الشيوعي، وبين حالة الثبات والصمود التي كانت عليه قواعد وقيادات الأحزاب الإسلامية في ذات الحقبة الزمنية، مستشهداً في ذلك بقواعد حزب الدعوة والذي جاء على ذكره المحاور وبالإسم، وما كان يتمتع به من دعم من قبل جماهير عريضة، والتي ما إنفكت وحسب ما روَّجَ له تقارع النظام وهو في عز جبروته وقوته، والكل يعلم علم اليقين ما للحزب الشيوعي العراقي من تأريخ حافل ومجيد في التصدي لمختلف أشكال القمع والأنظمة الفاسدة. وكي لا نبخس حق الآخرين فكانت هناك أيضاً بعض القوى التي كان لها الدور الذي لا يمكن نكرانه في مواجهة لنظام الحاكم آنذاك، ومن بينها بعض القوى الإسلامية والوطنية وشخصيات مستقلة، يشار لها بالبنان، أمّا أن يجري تزوير التأريخ وعلى الشكل الذي سمعناه من المحاور لهو عين الجفاء والمغالطة.

 وإذا ما أردنا للحديث أن يُطال ليصل الى تلك القواعد التي يتمتع بها حزب الدعوة في الوقت الحاضر وبحسب تشدق المحاور، فهو أعلم من غيره من أين أتت وكيف تشكلت، إذ هي لا تختلف كثيراً إن لم تزد عنها سوءاً وإنحطاطاً عن تلك الأحزاب التي حكمت البلاد تحت قوة السلاح والبطش والتفرد بالسلطة والتحكم بالمال العام، هذا إن صدق رأي المحاور في وجود قواعد لحزب الدعوة وبالحجم والسعة التي جاء على ذكرها وعلى النحو الذي حاول تسويقه، مستثنين قسماً لا يستهان به مناضليه، من الذين لا يمكن أن يُغمط حقهم ودورهم، إضافة الى مَن كان قد انتمى وغرر بهم ورفعوا راية الحزب المذكور بأمانة ومسؤولية.

 وبهذا الرأي الآنف الذكر يكون المحاور قد سقط  وتقاطع مع أولى الحقائق الراسخة والتي لا تخطئها العين ولا البصيرة، إذ لم يكن موفقاً في عقد مقارنة من هذا النوع، حيث ساوي بين تأريخ الشيوعيين ودورهم في النضال الوطني وسعة قاعدتهم الشعبية وعلى تعاقب أنظمة الحكم ومنذ ولادته ولحد الآن، وبين من أستشهد بهم وجاء بهم مثالاً.

 وإن كان لنا من عتاب في هذا الشق من المقابلة فعلى المحاور نصفه ولأسباب عديدة، فربما يكون الرجل قد ساق بعض مفاهيمه كما أسلفنا، من دون أن تكون له مآرب اخرى، غير ان عتابنا بل لومنا سيقع بالدرجة الأولى على الضيف الكريم. وبعودتنا الى النقطة الأولى وهي مثار جدالنا، إذ كان عليه أن يلتقط المبادرة لطالما أتته، ليتحدث بكل وضوح وشجاعة، بحكم تحمله للمسؤولية الأولى لحزبه، عن طبيعة الساحة السياسية العراقية وما يشوبها من تشوهات وما تعانيه، ليس دفاعاً عن حزبه وعموم الحركة الوطنية والتي تلاقي الأمرين في الظروف الراهنة فحسب، بل ليعلن إحتجاجه ورفضه وبصوت عالٍ على مايقوم به الإسلام السياسي الحاكم  من سياسات، كان من نتائجها القريبة والمباشرة تمزيق النسيج الإجتماعي والإضرار بوحدته واقتصاده الوطني، إضافة الى تسببه في تدمير ممنهج لركائز ودعائم الدولة العراقية ومؤسساتها، والأخطر من ذلك كله هو السقوط السريع لمنطومة القيم الإجتماعية والتي نرى تجلياتها بأم أعيننا، والتي لم تعرف وحتى اللحظة مدياتها والى أين تتجه بوصلتها، ولعل القادم سيكون أعظم إذا ما استمر الأمر على هذا الحال.

 وفي نقطة اخرى، حاول المحاور أن يعيب على موقف الحزب الشيوعي العراقي حين امتناعه عن حضور بعض المؤتمرات واللقاءات التي سبقت ضربة العراق وتدميره، كمؤتمر صلاح الدين وفينا ولندن وغيرها، والتي ضمت فيما ضمت بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية، منها القومية الشوفينية ومنها الإسلامية، والتي تصدرت بمجموعها فكرة التحالف مع الإحتلال الأمريكي وروجت له، حتى إستقر بها المقام وبناءاً على رغبة الإحتلال، الى إستلام زمام الحكم وقبول التعاطي مع (المتغيرات) الجديدة، وفي ظل شروط ظلت طي الكتمان ونجهل حتى كنهها، رغم مرور أكثر من ثلاثة عشر عاماً على عمر الإحتلال. أقول عن ذلك وبصراحة أيضاً، كان ينبغي على الدكتور فهمي أن لا يمرر كلاماً من هذا النوع مرور الكرام، فالقاصي والداني يعرف جيداً حجم الإحتجاجات الكبيرة التي اجتاحت كبرى مدن وعواصم العالم وفي مقدمتها تلك التي كان لها الدور الرئيسي في رسم وصياغة السياسات الدولية، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما شهدته العاصمة لندن من مظاهرات وتجمعات صاخبة، لم تشهد لها مثيلاً ومنذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وكان لبعض الأطراف العراقية المعارضة ومنها الحزب الشيوعي العراقي دوراً بارزاً في الوقوف بوجه ما كانت تخطط له تلك الدوائر المشبوهة، وعلى هذا الأساس حشدت كل قواها وأصدقاءها في سبيل منع الضربة وما هو مبيت لبلادنا.

 كل هذه المواقف الوطنية والتضامن العالمي معها، كان على الدكتور فهمي أن يفخر به وأن يذكّر محاوره بحقيقة موقف الحزب وكل القوى المحبة للسلام والحرية، ومن غير أن يتراجع عن ذلك وبأي شكل من الأشكال. كان عليه أيضاً أن لا يستخدم لغة خجولة تداهن البعض، ولأسباب أقل ما يقال عنها غير مفهومة ولم نجد لها تفسيراً إن لم تكن مرفوضة وتحت أي ذريعة جاءت. كان عليه أن يقول لمحاوره انَّ ولادة الأحزاب الشيوعية والإشتراكية بصفة عامة والتي يتحمل الآن وزر قيادة أحد أحزابها، قد ولدت وتأسست على الضد تماماً من المطامع الإستعمارية وعقلية التوسع على حساب شعوب الأرض. هذا ليس خطاباً انشائياً، عاطفياً، بل هذا ما قرأناه وما تعلمناه وعلى أيديكم، فمَن منا والحالة هذه قد أخلف وتنكر لوعده ومبادئه؟

 وبكل أسف فإنَّ ما رأيناه في المقابلة وما سمعناه وعلى لسان الدكتور فهمي، بدا وبحسب قراءتي كما الذي يحاول اللحاق بالإتهامات الباطلة التي وُجهت للحزب الشيوعي العراقي وتأريخه، ليصد عنها ما استطاع بعد إقرارها والقبول بها وفي مسعى منه لإيجاد ما يبررها. ما هكذا تدار المسؤولية وأية مسؤولية بحجم سكرتارية حزب بلغ من العمر والنضال عتياً.

 وعموماً وإذا ما أصبنا الوصف فإننا لم نسمع وللأسف من الدكتور الضيف ومع جل إحترامي وتقديري لشخصه، الاّ خطاباً بائساً، ضعيفاً، لا ينسجم وموقعه والتأريخ المشرف للحزب، إذ لم يكن موفقاً في إظهار مكانة وقوة الفكر الذي ينتمي اليه ويمثله والتي ينتظرها الشارع العراقي، وعزائي على ما سمعناه لم يكُ الاّ عثرة طارئة، ستزول بعد حين من المراجعة، وإذا ما استمر خطابه على النحو الآنف الذكر فستكون خسائرنا أكبر، وأنا اتحدث هنا كمواطن عراقي لا زلت أرى ورغم الجراح العميقة التي يعاني منها الحزب الشيوعي العراقي وبعض الأطراف الوطنية الاخرى الأمل المرتجى، آملاً في أن يكون ما سمعناه وما رأيناه، كبوة مقاتل ليس الاّ، ودافعي للكتابة النية الصادقة.

 

حاتم جعفر

السويد-  مالمو

 

 

في المثقف اليوم