أقلام حرة

حميد طولست: التهاني ليست من العقائد أو العبادات وإنما هي مجاملات اجتماعية

hamid taoulostرغم تأكيد كل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أن روح الذين الإسلامي، إنما هي في نشر المحبة والتعاون والسلام والتماسك والتكاتف بين البشر جميعاً، من أجل تحقيق حياة حرة كريمة لبنى البشر عموماً، فإننا نفاجأ كلما بدت بوادر نهاية السنة الهجرية باشتداد النقاش الحادة حول تهنئة المسيحيين بأعيادهم ومناسباتهم، بين مؤيدي ذلك السلوك الإنساني السامي، وبين معارضيه، من الذين يجهلون بمقاصد الدين الإسلامي الحنيف، فيعتبرون تهنئة المسيحيين محرم بدليل ما ابتدعوه من مصطلحات تبرير ذلك التحريم -الذي يبقى الأصل هو الإباحة ما لم يرد نص يحرم أو يقيد - كمصطلح "الولاء والبراء" الذي يجعل التهنئة موالاة تخرج من الملة، وكأن تهنئة المسيحيين بأعيادهم تؤدي إلى التنازل عن الدين الإسلامي واعتناق المسيحية ! كما حدث أمس الجمعة بأحد مساجد أحد أحياء مدينة فاس، التي تصدى على منبره أحد الخطباء المفوهين بالشتائم والسباب لكل مغربي من يهنئ المسيحيين بأعيادهم الدينية أو يشتري حلوى عيد رأس السنة الميلادية أو ينطق كلمات merci أو Thank you bonne anné بدل جازاك الله خيرا، والله يرحم الوالدين، واعتبره عديم التربية والدين، معللا ذلك بأن تهنئة المسيحيين بأعيادهم الدينية، هو اعتراف ضمني بمعتقداتهم المسيحية وقبول بها!

كم كانت دهشتي عظيمة واستغرابي أعظم أمام إصرار إمام ذاك المسجد على الترويج لمثل ذلك الخطاب النشاز الذي يدمر ولا يعمر، وكيف يُجهد نفسه لتطويع النصوص لتبرير مثل ذلك طرح الخبيث الذي ينشر روح الطائفية ويبث الفرقة والتناحر والتطاحن بين البشر، وهو يعلم علم اليقين أن تهنئة المسلمين للمسيحيين بأعيادهم و تهنئة المسيحيين للمسلمين بأعيادهم لن يغير من معتقدات أتباع كلا الديانتين في شيئاً، لأن التهاني والتبريكات،  ليست من العقائد ولا من العبادات وإنما هي من المعاملات الاجتماعية والمجاملات الأخلاقية والإنسانية الراقية التي تكرس المحبة والتعاون والتراحم والتكافل الضروري لاستمرار العشرة بين البشر واعمار الأرض التي أسكن الله الإنسان فيها،

فكفاكم يا دعاة الكراهية من توظيف المذاهب والأديان لنشراً الطائفية والعداوة والبغضاء بين بسطاء المؤمنين، من أجل أغراض سياسوية طائفية  ! وتذكروا الحديث النبوي الشريف الذي رواه الترمذي عن أبي ذر، رضي الله عنه الذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك صدقة "، فما بالكم بتهنئته بأعياده الدينية وغير الدينية وما ويدخله ذلك على نفسه من البهجة والسرور.. لذلك فإني لن أتوانى عن تهنئة كل البشر بأي عيد يفرحون به، حتى الملحدين منهم ما داموا إخوة لنا في الإنسانية، فكل عام وهم ونحن والأشقاء والأصدقاء والأخوة في الإنسانية وأمتنا العربية والإسلامية بألف خير..وفي الختام ليسمح السيد الإمام أن أسأله وأمثاله، كيف لا يهنّئ المسلم المسيحي الذي استضافه مرحلاً ومهاجرا في بلاده بعد أن شرد ورحل من بلاده ولم تحرموا ذلك ؟؟ ثم أسأله رأيه في "قطار التسامح" الذي أطلقته البلد الإسلامي باكستان وسيجوب البلاد بالتزامن مع عيد الميلاد، وقد زينت عرباته بمجسمات لرجال ثلج بابا نويل شجرة ميلاد زينت بالأضواء،، بالإضافة إلى وصور باكستانيين مسيحيين قدموا خدمات للبلاد، فهل يا ترى سيخرجهم ذلك من الدين الإسلامي حسب دعواك التي لا تقل إرهابا من أعتى الإرهابيين؟؟ وأسأل أصحاب الحال في وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف إلى متى ستبقى منابر المساجد تستغل لنشر الإرهاب؟

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم