أقلام حرة

مُحَمَّد جَواد سُنبَه: رسالة الى الدكتور حيدر العبادي المحترم: مِنَ الظُلّْمِ أَنّْ لا تَنّْصُرَ المُلتَزمينَ بالنِّظَامِ

mohamadjawad sonbaأَكثرنا قرأَ وسمع وتحدَّث، عن تاريخ العراق وحضارته وتقدمه، منذ بواكير عصر الزراعة، اي قبل ثمانية آلاف سنة من الآن. وكيف ان العراق كان أول مكان في العالم، ابتكرت فيه الكتابة، وسُنَّتّ فيه القوانين، والنظم المدنية. وهذا ما يطلق علية حضارة وادي الرافدين.

هذا التاريخ الزاهر، استطعَمنا بقايا من بقاياه، حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي. وفقدنا كل تلك البقايا، وإِنّْ كانت وشائجها واهية الضَعف، لكنها كانت تربطنا بالماضي التليد. فوجدنا انفسنا لا نجد أّيَّ أَثر لها، على واقع العراق الجديد، بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003. وما استجدَّ على الشعب العراقي، بعد الاحتلال أظهر ان هذا الشعب، لا ينتمي الى تاريخ حمورابي البتة.

إِنَّه شعب فوضوي، يمقت القانون ويرفض النظام بشدّة، (توجد شرائج اجتماعية قليلة جداً، بقت ملتزمة بالضوابط القانونية وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهؤلاء غير مشمولين بكل ما جاء بهذا المقال).

ولكون جهد الدَّولة انصب في مكافحة الارهاب، وهذا أَمر ليس بالهين أَبداً. لكنه بالوقت ذاته،أعطى المبرر للكثير من المسؤولين للتنصل من مسؤولياتهم تحت ذريعة (عدم الاستقرار الأمني). فتركت مفاصل مهمة في الدولة، لها انعكاساتها السلبية على الدولة أولاً، وعلى المواطن ثانياً. واصبح المضمون العام، لترك مفاصل المسؤولية سائبة، بمثابة عملية هدم وتآكل خفي، لكيان الدولة. وأيضاً هضم لحقوق المواطن الملتزم بالنظام، والمتقيد بالقانون. ولغرض اختصار الموضوع لا بدَّ لي أَنّْ أُجملَ هذه النقاط التي تؤدي لتخرّب كيان الدولة، وكيان الانسان الصالح على حدٍّ سواء؛ وهي:

1 لا اريد ان اقف على موضوع الفساد المالي والاداري المستشري في الدولة، فتلك قضية أشهر من نار على علم.

2 تقاطع بعض فقرات القانون، مع عمل الاجهزة الأمنية، بحيث يصبح القانون معيقاً للجهاز الأمني، في تنفيذ واجباته، التي تتطلب السريّة والمتابعة والمباغتة والسرعة، في ملاحقة الهدف.

3 انعدام التنسيق بين الكثير من الأجهزة الأمنية، وانعزال عمل بعضها عن البعض الآخر، لا بل تقاطع وتعارض عمل بعضها مع البعض الآخر، بعكس ما يقتضيه العمل الامني، الذي يوجب بشكل صارم، توحيد الجهود واشتراك الخبرات والكفاءآت، لجميع الأجهزة الأمنية، لتحقيق غاية الدَّولة في انهاء ملف الارهاب والجريمة المنظمة.

4 الترهل الكبير في الوظائف العسكرية والمدنية، الأمر الذي جعل البيروقراطية تستفحل، لدرجة أَنها اصبحت من أبرز اسباب هدر المال العام، دون تحقيق أَيَّة جدوى مفيدة للشعب.

5 انعدام هيبة السلطة في الوسط الجماهيري، وفقدان الخشية من التبعات القانونية، الأمر الذي جرَّأَ الكثير على التجاوز، بشكل سافر، على الشوارع العامة، والأرصفة والحدائق العامَّة، وممتلكات أخرى عائدة للدولة.

6 أَخطر مُعيق لاستقرار الوضع الأمني في العراق، انتشار العشوائيات السكنية، في كل محافظات العراق، وخصوصاً في العاصمة بغداد. وهذه العشوائيات هي مرتعاً للارهابيين، وعصابات الجريمة المنظمة، بسبب عدم السيطرة على ضبطها أمنياً.

7 التجاوز على القانون، وتجريف البساتين والاراضي الزراعية، وتحويلها الى مناطق سكن عشوائية، أَمر لابد من النظر اليه بجدّية وصرامة. والغريب في الأمر، ان موضوع بيع هذه الاراضي ليس بالسر، (لأنها تخالف قانون التخطيط العمراني)، وانما تجري في العلن. ويمارس اصحاب الدور المشيدة على الاراضي الزراعية، أبشع حالات التخريب للبنية التحتية للبلاد. (استهلاك عشوائي لمياه الشرب، تجاوز على شبكة مجاري المياه الثقيلة، تجاوز على شبكة الكهرباء الوطنية، تجاوز على الطرق والارصفة أيضاً)، كل تلك التجاوزات التخريبية، هي تحت انظار المجالس البلدية في المناطق المختلفة، وكذلك دوائر البلدية، ودوائر الكهرباء أيضاً.

سؤال للسيد وزير الكهرباء والسيد أمين بغداد:

- لماذا لا تبادر وزارة الكهرباء، وأمانة بغداد، بتأمين الكهرباء والخدمات البلدية للعشوائيات، والدور المشيدة على الأراضي الزراعية بشكل تجاري؟.

بشرط ان لا تكون تلك الخدمات، كمقدمة او وعود لتمليك الاراضي الزراعية، وتحويلها الى اراضي ملك طابو لساكنيها. لأن في ذلك تدمير للتخطيط العمراني والحضري، لكل محافظات العراق. علماً ان جبايات الكهرباء والماء الصالح للشرب، تشكل ارقاماً لا يستهان بها، عند استحصالها من المتجاوزين، لتعود كأموال لخزينة الدولة.

- تحرير الأرصفة التي هي من حق سابلة الطريق، من جميع التجاوزات المقامة عليها، بازالة الابنية الثابتة او غير الثابتة من عليها.

8 المواطن الشريف الذي دارة يقابل حي عشوائي، يرى باستهجان طفح مياه المجاري، وكل انواع التخريب. وفي نهاية الشهر تأتيه فاتورة الكهرباء والماء، ليدفع قيمتها للحكومة. وجاره المتجاوز على المال العام، ليس عليه دفع اي شيء للحكومة. هكذا تقتل بالتدريج روح المواطنة الصالحة.

9 منذ سقوط نظام صدام المقبور في عام 2003 الى الآن، لم تفكّر الحكومات المحلية، بتنشيط دور (المختار) أو من يقوم بدوره. لذا فمن السهل جداً على الارهابيين، والعصابات الاجرامية، الانتقال من منطقة الى أُخرى، من أجل التمويه على انشطهم الارهابية والاجرامية. ونسمع بألم مرير، بعد كلِّ عملية ارهابية في بغداد او المحافظات، ان من قام بذلك العمل الارهابي، هم مجموعة من المجاميع الارهابيّة النائمة.

10 عدم اهتمام الحكومات المحلية، بمنظومة (الحرّاس الليليين)، الذي لهم دور كبير، في حفظ الأمن ومراقبة التحركات المشبوهة، التي يقوم بها الارهابيون والمجرمون، ليلاً تحت جنح النظام.

هذه النقاط اذا ماتم اتخاذ اجراء مركزي بصددها، من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء، والعمل بها بصورة جدية، فان الكثير من الارتياح، سيشعر به المواطن العراقي الملتزم بضوابط القانون. كما انها ستضع حداً، لانهاء وجود تاريخ حقبة عشوائية، تسللت لتاريخ العراق الحضاري، بسبب غياب القانون والمراقبة الصارمة، وتفشي المحسوبية والمنسوبية، واستشراء الفساد المالي والاداري. وكل هذه العوامل في جوهرها، تخدم الانشطة الارهابية والجريمة المنظمة بشكل مباشر. والله تعالى من وراء القصد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه - كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم