أقلام حرة

محمد حسن الساعدي: المرجعية الدينية تقف مع من؟!

ربما ليس جديداً موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف، ووقوفها على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية والمكونات، بعد ان تمكنت بحكمتها المعهودة من وضع أسس سليمة لبناء الدولة المدنية في البلاد، وجل المواطن مشاركاً حقيقياً في صنع القرار السياسي لمستقبله، كما لم يعد خافي الدور الفريد الذي قامت به المرجعية الدينية في درء خطر الفتنة الطائفية في البلاد، وحقنت دماء الأبرياء من جميع الطوائف، والوقوف بوجه خطر داعش، بعد تهديدها مدن العراق، وسقوط ثلثه بيديهم، وبعد فشل جميع المكونات السياسية الحاكمة في حماية وصيانة البلاد، وحفظ أمن المواطن العراقي، ولكن الجديد في الرؤية هو ان المرجعية الدينية وقفت وتقف موقفاً حازماً حاسماً من الجميع، دون اي مجاملة مع تلك الجهة أو هذه، أو ربما تحاول الإيحاء انها تقف مع هذا الطرف أو تلك، وهذا الامر ما نحاول الوقوف عنده، وقراءة وتحليل أسباب جعل المرجعية تقف هذا الموقف من الكتل السياسية، وهنا لا بد من طرح تساؤل مهم؛ ما هي فلسفة المسافة الواحدة من الجميع ؟!

المرجعية الدينية وعبر تاريخها الطويل، والذي يمتد الى اكثر من الف عام، كانت واضحة المواقف، ولَم تكن تجامل أحداً، ولا تحابي احد على حساب احد، ولكنها في نفس الوقت تُشخِّص الحالة، وتعطي الموقف المطلوب دون اي تردد، وهذا ما لمسناه من المرجعية الدينية العليا في النجف، والتي تعاطت مع المواقف بتلك الحكمة المعهودة، إذ انها أعلنت الموقف الحازم، ورفضت اللقاء باي سياسي عراقي، واعلنت سياسية " غلق الأبواب " امام الجميع، ليعلم الشعب العراقي، ان هذه النخبة السياسية التي حكمته، لم تكن امينة معه، وأنها ترفع اليد عن اي فاسد مهما كان قربه أو بعده عن المرجعية الدينية، وهذا الامر اصبح مكشوفاً للجميع، من ان الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط النظام، والتي هدرت اكثر ٨٨٠ مليار دولار ميزانيات العراق، وذهب أكثرها في جيوب الفاسدين، لهذا وعبر منبر الجمعة في الصحن الحسيني المطهر، كان الموقف معلناً كل أسبوع، من ان المرجعية لا تقف مع احد، وأنها ترى الجميع بنفس الرؤية، وينفس المنظار، وهذا الشي بحد ذاته سلبي للأحزاب والتيارات الاسلامية، والتي رفعت واعلنت رايتها انها مع المرجعية الدينية العليا، وفِي نفس الوقت تقف بوجه اي توجيه فيه صلاح البلاد، ومصلحة الشعب المرتهن .

رفض المرجعية الدينية العليا لقاء وفد التحالف الوطني خلاف اليومين الماضيين، أخذ يلقي بضلاله على المشهد السياسي، خصوصاً وان الحاضرين هم من الشخصيات المهمة والبارزة على الصعيد السياسي، وما تلاه من بيان للسيد الخفاف ممثل المرجعية والناطق الرسمي باسمها، وتوضيح حول ملابسات رفض سماحة الامام المرجع الأعلى للطائفة الشيعية، ما هو الا موقف صريح وحازم وحاسم، من الأوضاع المرتبكة التي تعصف بكيانات التحالف الوطني، من تباين المواقف من التسوية السياسية، وغيرها من مواقف تعطي انطباع وإيحاء، ان مواقف التحالف الوطني غير متوافقة ومتفقة على موقف تجاه الأوضاع السياسية "مابعد داعش"، وكيفية التعاطي مع بنود التسوية السياسية، ودراسة توقيتها، ومدى نجاحها في البلاد .

اعتقد من الضروري اعادة النظر في مواقف التحالف الوطني، وكيفية تعاطيه مع المواقف السياسية والتي فيها طابع يلامس مصالح الشعب العليا، وخصوصاً بعد بيان السيد الخفاف، اصبح من المهم، ان يكون هناك رؤية واضحة لدى التحالف الوطني، تكون متماشية مع الرؤية التي تسعى أو تريدها المرجعية الدينية، كما ينبغي على الكتل المنضوية داخل التحالف الوطني، وبغض النظر عن ولائها الديني أو السياسي، ان تراعي مكانة هذه المرجعية الدينية في العراق، وان لا تتخذ مواقف تكون بالضد من مواقفها ورؤيتها للواقع، لان اي موقف بالضد من المرجعية سيكون مصيره الفشل، ومكانه مزبلة التاريخ . 

 

في المثقف اليوم