أقلام حرة

رشيـد العالم: العلم كجهاد

rasheed alalimلا أحَد يَشـُّك فِي أنَّ العَالم الإسلامِي اليَوْم يُعَانِي مِن عِدَّةِ أزمَات فكريَّة وأخرَى سِيَاسيّة، ولا أحد يَشُكُّ أيضًا بأنَّ مِن بَيْن أكبَر الأزمَات هِيَ أزمَة تجْدِيد العَقل الدِّينِــي، والفِكر الإسلامِي لينسَجمَ مع ارتدادَات السِّيَاق التـَاريخِي ومُستجدات العَصْر الحديث، بمَا فِي ذلك قضيَّة الإرهَاب والجِهَاد الذي مَسَخ صُورَة المسلمين في أوروبا والعَالم بأسره، فأدَّى ذلك إلى تعَالي بَعْض الأصوَات المُطالبَة بطرد المُسْلِمين وعَدَم مَنحِهم تأشيرَات السَفر..إلخ، وَلا نستغربُ إن كانت هَذِهِ السياسَة العُنصريَّة المَقيتـَة أحَدَ العَوَامل الأساسيَّة التِي قادت الرَئيس الأمريكي (دونالـَد ترَامبْ) إلى البَيْت الأبيض. فضلا عَن أنها عَجَّلت بصُعُود أحزَاب يَمينيَّة متطرفـَة ومُعَاديَّة للتوَاجد الإسلامِي بأوروبَّا.

إن الأزمَات التِي توَالت خاصَة فِي العُقـُود الأخيرة و سياسَة الدُّوَلْ الكبْرَى تجَاه قضَايَا الشَّرق الأوسَط والثورات والقضيّّّّة الفلسطينيَّة.. تؤكدُّ بمَا لا يَدَعُ مَجالا للشَكِّ بأنَّ الإرهَاب ليسَ عُمْلة إسلاميَّة ولم تكن سُنـَّة نبويَّـة، وإنمَا هِي صِناعَة المُخابرَات العَالميَّة، والدول الكبرى (أمريكا، روسيا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا..) التِي تعملُ ليلَ نهَار، مِن أجل إعَادَة تشكيل خَارطـَة الدُّول العَربية عَن طريق نشر الفوضَى، وإسقاط الأنظمَة الدِّيمُقرَاطِيَّة والدفع بالعِصَابَات الجِّهَاديّة والجماعَات الإرهَابيَّة إلى سَفكِ الدمَاء وارتكـَاب المَجَازر باسْم إعلاءِ كلمَةِ الله، ليكون تدخلُ الدُّوَل الغربيَّة مُبَرَّرًا وَمُشَرعَنـًا تحت غطاء حُقوق الإنسَان وحمَايَة المَدنيِّين والأقليَّات، وتحت ذريعَة إعَادة السِّلم والاستقرار وإرساء الديمقراطيَّة والقضَاء على الجماعَات الجهَاديَّة.

 إنَّ الجهَاد الإرهَابـِي الذِي نشَاهِدُهُ عَبر التلفاز وعَبْرَ قنـَوات التواصُل الاجتمَاعِي.. مَا هُوَ إلا ذريعَة للحرب على الإسلام و اغتيَال الدِّيمُقراطيَّـة، وسَرقة المَطالب التِي جَاء بهَا الرَّبيع العَربي، لأن الغـَرب يَخشَى الديمقراطية وخاصَّة إذا كانت ذاتَ مَرجعيَّة إسلاميَّـة، كمَا هُوَ الحَال في (تركيــّا). فالانسيَاق إذن ورَاء الإعلام المُظلـِّل، الوَهمِي والكاذب دَليلٌ آخر على جَهلنـَا وقلة فهمِنـَا، بَل ودَليلٌ أيضًا عَلى أننا صِرنـَا نفكرُ كمَا يُريدُ لنـَا الغرب أنْ نفكر، ونثورُ أيضًا كمَا يُريدَ لنـَا أن نثـُـور.

وفي هذا السياق الرَّاهِن حَيث الحَرب عَلى الإسلام من كل جهَة وخاصة من بَاب أنَّ الإسلام هُوَ دِين الجهَاد والقتـَال والجزية وأنهُ الدِّين الذِي أنتجَ أمثال (بن لادن) و (أيمن الظواهري) و (أبو قتادة) وأخيرا (أبو بكر البغدادي).. وَجَب بنـَاء وإرسَاء مَفهُوم جهَاد يُعيدُ ينسجمُ مَع القِيَم الرُّوحيَّة والدِّينيَّــة التِي جَاءَ بهَا نبيُّ الإسلام، وأولُّ جهَاد نحتـَاجُ إليه فِي هذا الزَّمَن الحَالِي، هُوَ جهَاد المَعْرفـَة والعِلـْم والتحَرُّر، عَلاوة عَلى جهَادَاتٍ أخـرى  (جهَاد فهْم الدِّين، جهَاد فهم أهداف الدِّين، وجهَاد فهم مَقاصِد الدِّين..)

لأنَّ فهْم الدِّين فِي هَذِه المَرحلة الحَرجَة و المُتأزمَّة للغايَة والتِي يَمسَخُ فيهَا الإعلام الغَربي الدِّينَ الإسلامِي ويُسَوقـُهُ فِي الجَرَائِد باعتبَاره دِينـًا يُشكلُ خطرًا عَلى الدُّوَل الأورُوبيَّة يُعدُّ جهادًا ضَرُوريًّا بَل حتميًّا، وهو ما على المُؤسسَات التعليمية والتربويَة  أن تعملَ على زرعِه فِي وَعي الأجيَال اللاحِقة.

 

رشيـد العالــم - كاتب وباحث

 

في المثقف اليوم