أقلام حرة
أمهات بلا أمومة

لا يبدو مافعلته الام الباكستانية (بروين بيبي) التي اضرمت النار في ابنتها (زينات) البالغة 16 عاما, غريبا او مستهجنا للكثيرين لان الامر ببساطة يتعلق بالشرف، بل قد يتعاطف معها البعض ويثني على شجاعتها، وهذا ما فعله بعض المعلقين على هذا الخبر حين انتشر في المواقع الاخبارية على السوشل ميديا.
يروي الخبر ان زينات تزوجت من شاب عشريني لم يحض بموافقة العائلة، وفي مشادة عائلية بين زينات واخيها، رمت الام الكيروسين على ابنتها واضرمت النار فيها، وهي الان تقبع في السجن بأنتظار تنفيذ حكم الاعدام الذي اصدرته السلطات الباكستانية بعد ان تحول الموضوع الى قضية رأي عام.
هذه القصة احالتني الى قصة حدثتني بها احدى الصديقات عن صبية عراقية في سن (زينات) تقريبا اغتصبها احد افراد تنظيم داعش اول مراحل دخول التنظيم الى العراق، والبنت قد عرفت مغتصبها لانه من ذات القرية التي تعيش فيها واخبرت اهلها بذلك، فما كان من الام الا ان تلجأ الى اسهل الحلول التي صورها لها عقلها المنحرف، فحملت البندقة وافرغت الشاجور في صدرها وهي تهزج للشرف الذي اريقت على جوانبه الدم. اود ان اقف عند لحظة اتخاذ القرار لهؤلاء النسوة، بقتل بناتهن هل الام التي تقدم على هذا الفعل تتحلى بمشاعر الامومة؟ اما انها تتخذ هذا القرار في لحظة تحسب انها ستفقد اولادها الصبيان او زوجها فحين ذاك يكون التضحية بالبنت ايسر واحفظ لراس مال العائلة؟ ولماذا لاتلجأ هؤلاء الامهات الى خيارات اخرى بديلة يفرضها احساس الامومة التي تستشعر الخطر حول اولادها فتتدفق قدراتها لحمايتهم كما يفترض بالامهات؟
هذا الاستلاب والتجرد من اهم خصائص الانوثة هو نتيجة حتمية لمجتمعات مشوهة تدافع عن تشوهها بكل طاقتها, يتحول فيها البشر الى مسوخ تتحرك بمقايس الاخرين وتهدر الحياة من اجل افتراضات لا وجود لها بالتاكيد، ولا اعرف كيف يفهم هؤلاء القوم الامر هل قتل الضحية يعد حلا؟ ومن انتهكهم وانتهك عرضهم لازال يسرح ويمرح دون عقاب، ام هو جبنهم عن مواجهة المعتدي فيلجؤون الى افراغ غضبهم في الضحية؟. لعل ابرز النصوص الادبية التي تناولت مساهمة الامهات في قتل بناتهن وطمس احلامهن هو رواية مرتضى كزار (طائفتي الجميلة) التي تحدث فيها عن مقبرة تسمى مقبرة الحمير وهي في الحقيقة مقبرة للبنات العاشقات الواتي يتم دفنهن ليلا غسلا للشرف، فيضعنا مرتضى كزار امام نموذج للامهات القاتلات التي تاتي بصحبة زوجها ليدفن ابنتها الشابة (ضحى) ثم تفتعل مشهدا دراميا من البكاء والندب على جثة الشابة المغدورة بعد ان تكون السيارة قد غادرت والجريمة اكتملت والام شاهدة ومساهمة فيها، (اتفرج على صورة المرأة وهي تعنف زوجها وتلعن نفسها، وتؤدي ماعليها في دور الام الندمانة وتقضي مافي ذمتها من البكاء لكي تواصل الحياة من دون ندم يذكر، وشعور بالاسى في تفويت طقس بكائي يلزم ليلة دفن البنت الخاطئة)ص:81
المتجردات من امومتهن يرتضين ان يتحولن الى حارسات بوابة الجحيم يبرزن برؤوسهن البشعة كي ينشروا الرعب في حنايا الحب ويمرغن الامل في جحيم الموروثات والشرف الزائف الذي يجلل الجميع بعار الخيانة والفسق ويحمل النساء عبئ نزواتهم وضعف غرائزهم وعقولهم. وان كانت (ام زنات) تنتظر الحكم بالاعدام فالام العراقية القاتلة ترفل بالمجد الان وتزهو على زوجها بانها حافظت على شرف العائلة وقد يحلو لها ان تردد الجنة تحت اقدام الامهات...