أقلام حرة

عدم اعتذارهم من الشعب الكوردي

لو تفحصنا عالم السياسة في منطقتنا، لم نجد الكثير من السمات الانسانية التي يمكن ان تصبح مدخلا لافكار وتوجهات وتصريحات واعمال خيرة كما هو المطلوب، سواء لدى الشخصيات والقيادات السياسية او كمباديء اساسية تعتمدها انظمة سياسية ضيقة الافق تحكم هذه البلدان .

العالم يعلم بما جرى للشعب الكوردي في هذه المنطقة وما تلقى من الضيم والجرائم الانسانية التي لحقت به، وحتى لم يعلن عن الكثير منها للملأ بل دفنت هذه الاعتداءات والجرائم مع التقادم في الزمن والذي لا يجب ان يمحو اثرها، لانها كانت ضد كل الادعاءات الانسانية التي تبجح بها النظام العالمي كثيرا  ولم يتفاعل مع ما جرى في العالم بالشكل المطلوب. لا نريد ان نحصي ما حدث ولكن ليس من المعقول ان يعتذر من ساهم في اخبث عملية وهي الضربة الكيميائية لحلبجة سواء بتوفير الاسلحة للنظام البعثي في حينه او من شارك بشكل غير مباشر في العملية او من اصر على اخفاء العملية كي لا يفضح امره، او من منع حتى الاعلان عنها او غيّر مسار ما قد يؤدي الى معاقبة الفاعل . لا بل وحتى بعد السقوط لم تنفذ العقوبة براس الفتنة عن تلك العملية بل لجريمة اخف منها لو قورنت بالضحايا الكيمياوي وما جرى في حلبجة لما حدث في الدجيل، وكيف كان هول العملية التي غيرت حتى من الواقع الجغرافي والديموغرافي والانساني لتكل المنطقة بشكل ملحوظ، ويعلم الجميع ان الاديولوجيا والنفوذ السياسي من هو الذي حددت الاولوية لمعاقبة المجرم .

لحد هذه الساعة لم نسمع عن احد ندمه او خطا نظامه في عدم اتخاذ موقف صارم في حينه من عملية القصف الكيمياوي لتلك المدينة الامنة، وخصوصا الضحايا كانت مدنيين من النساء والشيوخ والاطفال، ولم تكن مختلفة عن جرائم اخرى ممثالة لها وقد حظيت بالكثير من الادانة والنقد وحصلت على اعتذارات من لدن الاوساط السياسية في انحاء العالم، وعوض من تاثر بها، ولكن اهالي هذه المدينةاي الحلبجة لا يزالون يعانون من مآسي واثار تلك العملية الوحشية دون الاهتمام المطلوب بهم من قبل اي احد، لا بل قضى الكثيرون ممن لحق بهم الاذى لقوا حتفهم وهم عانووا طوال هذه المدة الطويلة دون ان يسمعوا من يعتذر منهم .

فهل تختلف هذه الجريمة عما اقترفته ايادي تركيا ضد الارمن او ما اقدمت عليه النازية ضد اليهود في عملية هولوكوست المشهورة والتي لا توجد دولة لم تعلم بما جرى فيها، ولو قورنت بما اهتم بها العالم مع ما حصلت في الحلبجة لا يمكن ان نصدق بان الضمير العالمي يمكن ان تكون صحوا بل تتحرك وتجيش لعدد الضحايا وليس لنوعية العمليةلاو وفق مبررات سياسية فقط . نعم لا يمكن ان لا نتكلم عن هاتين العمليتين وفق ضخامتها  ما حدث فيها ولكن اليس من الحق ان تكون النظرة الى الجرائم والتعامل معها باعين متساوية الرؤية وبعيدة عن الاهداف السياسية وما يمكن ان يدفن تحت التوجهات وا لمواقف ازاءها  .

اننا شعب لا نملك دولة مستقلة مطلوبة للعمل على هذا الشان في بيان حقيقة الامر كما هو، وان كانت الدولة التي تتبع لها كوردستان الجنوبية لحد اليوم لم تنبس ببنت شفة ازاء هذه القضية ولم تعتذررسميا وما يفرض ان تفعله جراء ذلك، رغم تغيير النظام فيها، فكيف لنا ان نعاتب ونلوم الاخرين .

فلندع الاخرين وشانهم ويمكن ان يلقوا حجة او فكرا او مصلحة  لما يسيرون عليه ولم يتصرفوا كما تفرضه الانسانية من قراءة الحدث وما وقع، الا اننا بانفسنا وقياداتنا والسلطة التي هي شبه مستقلةفي كوردستان الجنوبية، على الرغم من ما يكتنف حالها من الغموض القانوني، او مايمكن ان نصل اليه في ظل عدم الاستقرار ونحن على ارضية هشة، ومن له السلطة والسطوة غير ملمة بمثل هذه الامور الاساسية وهو تحت تاثير المصالح الضيقة المختلفة وما يفرض عليه خارجيا او وفق المعادلات العديدة التي تحيط به  داخليا او اقليميا او عالميا .

نعم العتب على السلطة الكوردستانية التي لم تُتعب حالها لما هو المفروض ان تعمله نتيجة الظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط بها او نتيجة عدم الادراك بما هو الواجب عليها في هذا الشان، والاكثر حيرة هو عدم الوافق السياسي حول اكثر القضايا الكوردستانية الحساسة من قبل القوى الموجودة والتي دعى وضعهم المزري اصلا  الى نسيان مثل هذه الامور التي هي اساسا تفرض ان تكون فوق كل الاعتبارات السياسية الاخرى .

اضافة الى ان المدينة كانت مسرحا للاحداث وموقعا مستغلا من الاسلام السياسي، وعلاوة على ما تاثرت بالضربة الكيمياوية فانها تغيرت اكثر بالحروب الداخلية وتدخلات الاخرين فيها مما جعلها ميدانا عسكريا لمدة طويلة، وعلى العكس من المطلوب فانها اهملت واصابها النسيان من قبل السلطة الكوردستانية قبل الاخرين، اضافة الى عدم وجود برنامج او تخطيط سياسي لبيان الامر بشكل مفيد للقوى الملمة بهذه الامور من قبل السلطة الكوردستانية للالمام والاهتمام بها في مشوار خدمتها او ازالة اثار ما حصل لها .

لم يعلم احد حقيقة ما حدث لحد اليوم بشكل موثوق ونهائي، خصوصا انها حدثت في حالة حرب وفوضى مسيطرة ومصالح في حينه اجبرت من كان العليم بما حدث يتوارى او لم يلتفت الى ما حدث حفاظا على شعبه او مصلحته الاستراتيجية من جهة، ومن جهة اخرى تداخلت امور كثيرة بحيث لا يمكن الجزم بان الامر الناهي والفاعل الحقيقي والمنفذ وما يمكن ان نقول بانه خطط لجريمة بسبق الاصرار، او نتيجة تدخلات عديدة من قبل جهات مختلفة في الحرب العراقية الايرانية في تلك المرحلة وما يمكن ان يبرز التاريخ يوما من هو المفكر والمقرر والمنفذ الحقيقي لهذه العملية، على الرغم من انها نفذت باليات وايدي السلطة العراقية البعثية، ويمكن الشك اكثر وخصوصا بانه تسرب اخيرا تصريحات للدكتاتور العراقي المخلوع وهو في السجن، بانه لم يامرشخصيا بهذه الجريمة على الرغم من اداعاءات تنفيذها من قبل القوات العراقية .

اننا هنا لسنا بصدد هذه القضية بقدر ما نحن نريد ان نبين مدى ترسيخ ثقافة الاعتذار للسياسين الشرقيين، ولا يمكن ان نجانب الحقيقة في ان الشعب والواقع الثقافي والاجتماعي والوعي العام ليس بمستوى يمكن ان تكون ثقافة الاعتذار موجودة فيه ولو بنسبة معينة، والقيادات والسلطة الموجودة وليدة هذه الظروف وا لواقع الموجود .

لماذا يجب ان نذهب بعيدا، اننا يمكن ان نقيّم الواقع الكوردستاني في ظل السلطة الذاتية . فان الحروب الداخلية الطاحنة وما تسببوه من الاضرار بالانفس والقضية والاهداف السامية التي ضحى من اجلها الشباب بدمائهم، وكأنه لم يحدث شيء في عقلية القادة المتسلطين، بل لم نسمع يوما اعتذارا عن الندم جراء كل تلك الاخطاء وحتى وصلت الى الاتكاء على العدو واستقدام جيشه في التحارب الداخلي ولا يمكن ان نصفه الا خيانة بعينها . ولحد اليوم لم نسمع عن ليس اعتذار وانما الندم من اي طرف داخلي او عراقي او اقليمي حول ما فعلته ايديهم وما اثروا على مصير الشعب، وعليه لا يمكن ان نعاتب الاخرين في هذا الامر .

انا اتكلم عن القيادة الكوردية، فانهم تربوا في اجواء وثقافة عائلية وشعبية بعيدة عن هذه الشيمة الطيبة والفضيلة وهي الاعتذار عن الخطا، ولم ينظر الا القليلون الى الاعتذار كفضيلة بل يعدونه تنازلا وانقصا في المكانة، بل لا يمكنهم ان يخطئوا وهم معصومون .

من المؤكد بان الساسة الكورد لازالوا يحملون العقلية التي تهمه مصالح الحلقة الصغيرة بدلا من الكيان، ولم يتوصلوا الى مستوى ان يتحلوا بروح ما تريده الدولة العصرية من العقلية التي تضمن ثقافة الاعتذار عن الخطا مهما كانت درجته . نحن نعيش في مرحلة تغيب فيها العقلية المقتدرة ليمكنها ان تعبر عن الواقع المزري بما يتطلبه العصر بل نجد من يتسلط هو المسبب الاول والاخير في الوضع المشين والازمات الخانقة التي يعيشه الشعب المغدور . لا بل يعتبرون انفسهم مهندسين للحكم الرشيد! الذي اغرقوا بموجبه الناس في وحل الازمات السياسية والاقتصادية، لا بل يمكن ان يطلبوا هم من الشعب الاعتذار لهم .  وانهم  لم يعلموا بان هناك غياب لكوردستان كدولة  في تفكيرهم وسلوكهم ويدعون العكس  وهم كل ما يملئون به عقولهم هو الانتماء الضيق وبعقلية متخلفة جاهلة بما يهم الانسانية، وبها لا يقتربون من ثقافة الاعتذار من قريب او بعيد .

لذا يجب ان لا نلوم الاخر البعيد او القريب عن عدم وفاءه بما وعد به من قبل ولم ينفذه بعد، ولا يمكن ان نعاتب من كان في السلطة ولم يعترف بما اقترفته ايديه ولم يعتذر، ولا يمكن ان نعاتب من تراجع من وعده بالكثير ولم يات حتى بالقليل، ولا يمكن حتى ان نصارح من نسي ما كتبه من قبل وتغير فيما بعد عن مواقفه نتيجة مصالحه الخاصة، ولا يمكن ان نطلب من لا يملك ان يعطينا ونحن بانفسنا نملك ونبخل عن شعبنا، ولا يمكن ان نلوم حتى الاخ  قبل ان ننظر الى انفسنا وما هو المفروض علينا عمله . وعليه ان كنا نحن بانفسنا عن ما هو الواجب علينا مهملون، فلا يمكننا ان نذهب بعيدا ونعاتب او نلوم من يمكن ان يعتبر من الحسنة ان يتطرق الى امر كهذا . فان اقترفنا نحن انفسنا اقذر الجرائم بحق انفسنا ولم نعتذر، فكيف يمكن ان ننتظر من غيرنا اكثر من ما مطلوب من انفسنا عما فعلوه حتى تجاهنا او ازاء قضيتنا العادلة . الاعتذار ثقافة لايمكن ان يحملها الا من امن بها ووصل الى الانسانية في الفكر والعقلية والسلوك، ونحن جميعا لا نملكه ولو بنسبة معينة .     

 

عماد علي

  

في المثقف اليوم