أقلام حرة

الكورد ما بين الابيض والاسود في توجهات ترامب

لحد هذه الساعة، لم نجد تغييرا بيّنا في سلوك وتوجهات ترامب بين ما كان عليه ابان ترويجات الانتاخبات الرئاسية وما بعدها . لا بل ازداد تطرفا ونفذ ما وعد به واكثر مما قال حرفيا . السؤال الذي يمكن ان نجد الجواب له بعد مدة هو، هل يستمر هذا الرئيس الفريد من نوعه والمغامر للولايات المتحدة على نهجه للنهاية ام المؤسسات الامريكية الديموقراطية  تعرقل طموحاته الشخصية التي تشابه الى حد كبير بوتين واردوغان بزيادة او مبالغة من جانب وجود هيجان اعلامي وضجة كبرى لدى ترامب وامريكا شغلت العالم بها طوال هذه المدة . من الاحتمالات في تحليل الوضع القائم في امريكا منذ انتخاب ترامب التي وردت  من اكثر المراكز البحثية المرموقة  تقول، بان ترامب اما فعلت كل هذه الهيجانات بقراراته تبعا للاستراتيجية التي يتبعها وهو بيان الامر على انه جدي في وعوده ولم يتغير قيد انملة في عقليته وتوجهاته حتى بعد انتخابه، وكل من قال بان توحهاته هالة انتخابية وليس الا كان على الخطا،  وهذا ما يدع العالم يصدق ما يقوله ويكون موضع ثقة من جهة ويؤثر كذلك على الوضع الداخلي الامريكي والمؤسسات الحكومية والمدنية في تغيير الامر الواقع ويجبر الجميع على التعامل مع رؤآه وتحركاته من جهة اخرى . او انه يفعل ما سار عليه بعد انتخباه لمدة ومن ثم يثبت ما يريد من النظرة العالمية حوله ويعود الى حدود ما يسمحه له الواقع الامريكي والعالمية  ويهدا هويدا هويدا وينفذ بذلك خطوات لتحقيق اهداف سياسية وتغييرات ربما تحتاجها امريكا وفكرت فيها مراكز القرار جيدا بعدما تراجع موقع امريكا من السياسة العالمية ابان حكم اوباما . اي يمكن ان تكون الخطة التي يسير عليها ترامب مدروسة ومنقوشة من قبل العقول والافكار التي يمكن انها تعمل منذ مدة ليست بقليلة من اجل ذلك، او عجنها مؤسسات الابحاث الغفيرة التي تخرج منها الخطط الاستراتيجية الامريكية، ويمكن ان يقبلها رئيس او يقتنع بهاعلى المضض، وهي المؤسسات التي تحتمل ان نقول بانها مراكز يمكن ان يُعجن ويُخبز او ينفلق رئيس ما من رحمها قبل الانتخابات اصلا، وربما يكون الرئيس خارج هذا كله وبعد اعتلائه كرسي الرئاسة  يمكن ان يتاقلم مع المفروض في سياق الحكم ان كان خارج الساحة السياسية ووصل وحلق عاليا  خارج السرب . ترامب اليوم فاجا العالم بانه غرد خارج كل الافتراضات والاجتهادات والتوقعات عن افعاله مابعد انتخابه . وجسد في عقول متابعيه وحتى المحللين السياسيين الذين بينوا عكس ما توقعوا بانه ينفذ ما يعلن ويريد . هل ينجح ويسير الى النهاية ام يواجهالعراقيل الكثيرة ومنها المحاكمة لعدم فسح المجال امام بروز روسيا والصين اكثر من حدودهم، وهذا ما يمكن ان يتضح فيما بعد .

لو اردنا ان نبين نظرة ترامب الى اية قضية عالمية لابد ان ننتظر ما يحل به او بمواقفه وتوجهاته ونظرته وتعامله او تفاعله مع اية قضية على انفراد او التداخل التي يمكن ان يكون بين قضايا عديدة، يمكن ان يتعامل معها كرزمة واحدة بعيدا عن التفصيلات التي لا يمكن ان يتدخل فيها لكونه كما اعلن اولويته هي الوضع الداخلي وسيستخدم  السياسية الخارجية من اجل السير في الطريق السليم للسياسة الداخلية التي رفض كليا ما كانت عليه امريكا قبله  وبشكل علني .

ان تعامل ترامب وحلقته الضيقة التي تطابق سلوكهم وتوجهاتهم رئيسهم بشكل مطلق وربما اشد، اعلنوا بانهم يتعاملون بالمثل مع الاخرين، وستكون سياسة ترامب حول الشرق الاوسط من زاوية مغايرة تماما لما نظر وتعامل  وسار عليه اوباما، وان الحدة والتشدد سيكون مع الاعداء التقليديين والخضوع لاصحاب الاقتصاد والاموال من الاصدقاء التقليديين ايضا على اقرب توقع من ما يمكن تنفيذه في الشرق الاوسط على الاقل .

 اي، اننا نعتقد ان قرانا شخصية ترامب بشكل دقيق سنتاكد بان سلوكه سيكون نابعا من عقليته البرجوازية الراسمالية الصرفة الخالية من الانسانية التي تدعيها امريكا ليلا ونهارا، وكل ما يهمه هو المال والربح الزائد كما تربى عليه .

اما تعامله مع القضية الكوردية سيكون وفق ما تمليه عليه العوامل المساعدة والثانوية المرافقة للمعادلات الرئيسية التي يتبعها ولن يكون الكورد عنصرا مؤثرا جدا في المعادلة كما كان لحد اليوم نتيجة تراجع الكورد بنافسهم نتيجة ما هم عليه منجهة او تغيير المعادلات المؤثرة علىقضيتهم من جهة اخرى، اي انه سيقرا الكورد من خلال مسار تعامله مع المنطقة بشكل عام  وكعنصر في خطط تعامله مع روسيا وايران  وسوريا بشكل خاص . كما توضح قليلا انه لن يتعامل مع المعارضة السورية المتمثلة بالجيش الحر والائتلاف وانما يهتم بشكل واخر بتقوية قدرات القوات السورية اليموقراطية، وربما لهدف وحيد بداية وهو تحرير الرقة .و عليه يمكن ان يفرض الكورد نفسهم على السياسة الامريكية بوجودهم على الارض ودورهم الفعال المحوري الهام في اي تحركات تهم امريكا . هذا في كوردستان الغربية، اما الكورد بشكل عام يمكن ان يختفي بريقهم بداية لما هم فيه من عدم التوافق وانعدام اية ورقة رابحة بايديهم في الاجزاء الثلاث الاخرى، وعليه يمكن ان لا نتصور تعامل امريكا معهم وفق التوجهات التي نفذتها على الارض منذ مدة وفيعهد اوباما وسيؤثر ما يحدو الواقع المتغير بعد تحرير الموصل وتراجع اهمية عامل الكورد في محاربة داعش في العراق .

سيكون مصير الكورد ما بين التوجه الامريكي الابيض والاسود، فربما ينتقلوا بقفزة كبيرة نحو الامام نتيجة ما يفرضه مسار المعادلات التي تتعامل معها امريكا وروسيا، او وفق المخططات السياسية الكبرى المركونة على رفوف القوى الكبرى . وعليه، لا يمكن لاي كان ان يتصور بشكل جلي ما يفعله ترامب ازاء الكورد بين كل القضايا الشائكة التي تكون على طاولته للسياسة الخارجية  لبلده . وانما يمكننا القول بان الوضع الداخلي وفرض الامر الواقع في كوردستان الجنوبية ربما يكون من العوامل المساعدة لما تفكر به امريكا في المنطقة بشرط توحيد الرؤى والاهداف والتوجهات الداخلية الكوردية، كي تتعامل معهم بقول وفعل واحد وبعملية واحدة غير منقسمة على الرؤى المختلفة . وعليه، لا يمكن ان يكون هناك الخيار الوسط امام الكورد ايضا، نتيجة افرزات المعادلات التي تتعامل معها امريكا وروسيا في المنطقة من جهة، والتغييرات المتوقعة لخريطة المنطقة بفعل  مصالح الدول العالمية والاقليمية المؤثرة على ما يحدث في المرحلة المقبلة من جهة اخرى .  

 

عماد علي

  

في المثقف اليوم