أقلام حرة

أللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!

هذا الدعاء إعتدت على سماعه منذ طفولتي، ولا يزال يتردد في خطب وأحاديث القائلين بالدين، ولا أدري كيف إستيقظت من تعوّدي على سماعه، وتنبهت إلى بلائه ومعطياته السلبية المتنامية المؤثرة في واقع حياتنا.

المصيبة كلمة سلبية ولها نتائجها الوخيمة وهي أنواع ودرجات، وتكرار هذا الدعاء في خطب الجمعة وعقب كل صلاة،  ليزرع في النفوس روحا سلبية،  ويجعل إقران المصيبة بالدين حالة متواصلة ومؤثرة في سلوك الناس.

فنحن تعوّدنا على إقران المصيبة بالدين، ونكرر دعاءنا لربنا أن لا يجعل ديننا مصيبة علينا، وكأن الأمر واقع ولا خلاص منه، إلا بأن نستعين بربنا ليقينا من أمر محتوم لا نمتلك القدرة على رده أو منعه.

ومن المعروف أن الكلمات السلبية تحث في الأدمغة تفاعلات سلبية، وبتكرارها تتقوى وتتعزز وتتسبب بصناعة الحالات المتوافقة معها، والمتفاعلة مع منطلقاتها النفسية والإنفعالية المحثوثة في النفوس، وهذه السلبية تستحضر مما يساهم في تأكيدها وتناميها.

فهل توجد مصيبة أعظم مما يعيشه المسلمون في أكثر من بلد عربي، حيث تحوّل الدين إلى وسيلة لتدمير المواطنين وتشريدهم والنيل من كل ما يمت بصلة إليهم، وفقا لمناهج طائفية وتفاعلات فئوية بغيضة تجرد المواطن من مواطنته وتنكر عليه حقوقه وتلغي إنسانيته، وتمنع عنه أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة.

ولا نزال نسمع في الخطب دعوات "أللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا"!!

إن المصيبة الحقيقية والجوهرية في رؤوسنا ونفوسنا التي أصيبت بأمية قرآنية ولغوية، وتكرّست فينا أمّارات السوء والبغضاء والكراهية والإنتقام من بعضنا البعض، ولا مصيبة في الدين، وإنما في الذين يدّعون الدين وينتمون للدين وهم يجهلون، ويمعنون بالجهالة، ويتبعون المرائين والدجالين والمتاجرين بالدين، والذين يسخرونهم لتحقيق رغباتهم الشخصية وتأكيد أهواءهم وتطلعاتهم الدونية، وذلك بإسم الدين.

فالدين نعمة ورحمة، وعلينا أن نطهّر نفوسنا، ونشذّب رؤوسنا مما تكدس فيها وإستنقع من الأقياح والمتواليات العدوانية المعززة بالممارسات الإنفعالية الكفيلة بتأجيج المشاعر والعواطف، والقبض على النفوس والرؤوس وتحويل أصحابها إلى قطيع في مجازر الويلات والتداعيات الملونة بالدين.

فلا مصيبة بديننا، وإنما لو عرفنا ديننا وتنورنا بدرر الأفكار القرآنية، لتيسرت أمورنا وإزدهرت أيامنا، وإرتقينا برؤوسنا إلى آفاق عصرنا ومدارات كينونتنا الحضارية الساطعة.

فلنتحرر من مصائب ما فينا، ولا نتوهم بأن المصيبة في ديننا، وكأننا نعفي أنفسنا من المسؤولية، فنريح ضمائرنا، وما نحن إلا من صناع المصائب ورواد التداعيات والنكبات التي نستلطف مردوداتها وآلياتها الإحتفالية والتعبيرية، فنحن الذين لا نعرف العيش إلا في مستنقعات المصائب، ونسأل ربنا غير ما نريد، وذلك هو نفاقنا المبين، وكذبنا المهين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم