أقلام حرة

ما نهاية مئة عام من الاحباط؟ (1)

قبل ان نتوغل في صلب الموضوع، يجب علينا ان نجيب عن السؤال الجوهري حول ما نحن اي الكورد عليه، انحن صاحب هوية خاصة بما نحن نسميها امتنا الكوردية، وهل ما نتصف به يمكن ان نسميه هوية خاصة بنا وانها واضحة وجامعة، او هل نحن امة حقا ولنا امكانية وقدرة على تكوين قوة يمكن ان نقاوم بها الصعوبات التي تفرض نفسها على ما يمكن ان نسمي انفسنا به ونعتقد بانه بلا اسس راسخة، ورغم كل التضحيات والثورات التي اشعلناها وفشلنا فيها، وفي النتيجة احبطنا، ولم نتخطى المراحل السابقة لانبثاق الامة بسلام، وتراوحنا لحقة طويلة الى ان انغمسنا فيما وصلنا اليه في هذه المرحلة من ما نعيشه في عالم فوضوي غير منتظم يسير وفق المصالح التي يجهد كل طرف على تامينها من اجل ما ينتمون اليه من امم ودول ونحن نفتقد اليها، ولنا الحق ان نشك في انفسنا في ان نكون امة متكاملة الاوصاف .

تاريخنا معلوم ومليء بالتناقضات والمآسي . يمكن ان نقول لا توجد امة تالمت وضحت ومن ثم احبطت جراء السذاحة التي سارت عليها امتنا ان كنا نفترض نظريا باننا امة، ووفق كل مقومات الامة واسسها، انا اعتقد باننا لم نصل الى مكانة وتركيبة امة متماسكة بمعنى المفهوم ولها القوة في تحمل ما تتحمله الامم الاخرى، لكوننا على حال لانزال يتمتع عرقنا بالتجمعات والتكتلات الانسانية التي لا يمكن ان نوصفها بالشعب، اي قومية دون ان نصل الى الامة بكل سماتها . وهذا ليس من فعل ايدينا بل نتيجة طبيعية لما فرضته الظروف الذاتية والموضوعية علينا وابقتنا على حال لم نتمكن من النمو والوصول الى حال نعرفها بامة، واننا حقا تجمعات دون ان نعبر حدود الشعب، ويمكن ان ندعي باننا لم نذق متعة العقلية الانسانية او مميزاتها وسماتها التي تفرضه قمة العقلية الانسانية التي تصل نسبة معينة من ما تصل اليها البشرية .

العامل الذاتي لدى الكورد من كافة النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لم يكتمل لحد الان، والعامل الموضوعي من الظروف الاقليمية والداخلية السياسية والدولية لم تناسب او توافق مع مسار الوصول الى مستوى تساعد على ان نكوّن امة موحدة ولها القدرة القادرة على تحدي الصعوبات ولها امكانية الثبات والوقوف ضد كل التحديات التي تواجهها . لازالت الاوضاع الاقليمية والداخلية الذاتية على درجة يمكن ان نوقل اننا بانفسنا نقف حتى ضد سياق عملنا للوصول الى مستوى يمكن ان نسمي انفسنا شعبا ومن ثم امة، هذا عدا ما ينقصنا من اهم عامل رئيسي لتجسيد الامة وهو دولة مستقلة صاحبة السيادة التي تمنع او تصد هبوب الرياح العادية عليها . لولا التغييرات الاقليمية الاخيرة التي فرضتها تدخلات القوى العالمية لكنا الان كما كنا عليه منذ مائة عام اي نشعل الثورات وننهيها بخيبة امال ونكبد قوميتنا الخسائر تلوة الاخرى، الا ان القفزة التي حصلت في تغيير شؤون المنطقة مستنا ووصلتنا الى ما كنا لم نقدر ان نصل اليه بذاتنا لسنين اخرى وان دمنا على تقديم التضحيات لك حركة مسلحة، لاسباب وعوامل ذاتية وموضوعية معلومة ايضا.

لقد اشعلنا خلال الحقب السابقة مجموعة من الثورات العفوية التي شارك في بعضها االنسان الكوردي الذي يمكن ان نسميه بالشعب مجازيا، وضحى بكل ما يملك ليس لهدف معين بقدر ما هو كان مؤمنا بانه ينتمي الى مجموعة بشرية تتطلب منه التضحية من اجلها ولضمن مستقبلها وصد الاعتداءات عليها، وآمن نتيحة سذاجته بانه يحقق نصرا مبينا بالكفاح المسلح دون ان يحسب تلك العوامل التي هي فوق الشجاعة والتضحية والاخلاص، وهي القوة التي تفرضها مجموعة من المصالح المتشابكة مع بعضها للدول العالميةو الاقليمية التي تسير وفق سياسة ضمان المصالح بعيدا عن الاخلاق والسمات الانسانية الحسنة . اننا اخطئنا كثيرا في مسار ثوراتنا المتعاقبة، لم نحسب للعوامل الذاتية والموضوعية بجدية وتعقل كافيين، ارتبطنا باستمرار باحدى الدول التي قُسم الكورد عليها وليس لها المصلحة في تحقيق الكورد هدفهم وتقرير مصيرهم باي شكل كان، ولم نتعامل الا بعاطفة وبخطوات بعيدة عن السياسة الواقعية وكنا بعيدين عن دراسة الحال من اقرب ابعادها وسرنا بعفوية وبفوضى عارمة في اكثر الاحيان . لم نهتم باي شكل كان بالوحدة الداخلية وكنا في اغلب الاحيان منقسمين وخلقنا بثوراتنا العداوات والتفرقة العشائرية والقبلية والحزبية بدلا من بناء اعمدة الوحدة الوطنية، ولم نعتبر او نتعامل مع الحاسة الشعبية للكورد فيما اقمنا عليه من الثورات والخطوات السياسية والقرارات المصيرية، لذلك كنا بانفسنا سببا في ازدياد الهوة بين فئات الشعب ومكوناته المختلفة . وعلى الرغم من عدم ايمان الحاسة الشعبية العامة بجدوى التحركات احيانا الا انهم لم يبخلوا بتقديم القرابين والتضحيات التي احتاجتها الحركات المسلحة في كل الثورات . وعلى الرغم من عدم اقتناعهم بما يمكن ان تصل اليه تلك الحركات وبما امتلكوا من احساسيس في قرارة انفسهم بانهم امام هدر الدم الذي يقدمونهبغير جدوى الا انهم وقفوا ولازالوا مع الثورات دون ان يصيبهم ملل او ما تفرضه تلك الاحساسيس عليهم من اللامبالاة ازاء الحركات الثورية والسياسية التي لم تبرز قيادات حكيمة كان المفروض عليها ان تفكر بعقلانية وتقيم الواقع وما كانت عليه كوردستان من كافة جوانبها لحد الساعة . وعليه يمكن ان نسال: هل كان لهذه الحركات السياسية والثورات المسلحة اي تاثيرايجابي على الشعب، ام يمكن ان نعتبر كل ثورة خطوة الى الامام ام يمكن ان لا نرفض توجه البعض بان الثورات المسلحة كانت خطوات للوراء، وهل العواقب الوخيمة التي حصلت جراء فشل الثورات والانتكاسات كانت سلبية بمطلقها ام لم تخمد الجذوة منذ مئة عام مهما فشلت تلك الحركات والثورات المسلحة وابقت على نار من تحت الهشيم وهي تتحين الفرص لتتقد من جديد .

ان بعض الافكار والايديولوجيات الواردة والغريبة عن محتوى جمع الصفات العامة التي يتميز بها الكورد اضرت بحركته وقضيته في النتجية اكثر مما افادته، وان كان تاثيراتها الايجابية محددة ومقتصرة على فئات صغيرة وقطاعات ضيقة سواء من المثقفين المنعزلين عن حال الشعب بشكل عام ام في حدود حلقة ضيقة خاصة فقط . ويجب ان نذكر هنا ان الاخطاء الكبيرة في هذا الجانب لم تكن تقتصر على الكورد فقط وانما حصلت في ثورات كبرى في العالم ايضا، الا ان الكورد المتخلف وهو يعيش في كنف دولة اخرى لصق بها قسرا، هذا ما اضر به اكثر من غيره . اي، ان اوهام الافكار البعيدة عن الواقعية كانت من اسباب فشل الثورات الكوردية المتعاقبة ضمنا نتيجة تاثيراتها السلبية عن التوافق بين الثورة والشعب واحداث ثغرات وابعاد الراي العام عن مكنون الثورات والتعامل معها بعفوية وحرية من جهة او اتخاذ مواقف مضادة نابعة من مستوى العقلية التي لم تكن تؤمن بمحتوى تلك الافكار ولم تتلائم مع الموجود على ارض الواقع من العقليات الاجتماعية والمستوى الثقافي العام من جهة اخرى . وهذا لا يعني اننا نبعد شراسة وتبجح الاعداء التي تجمعهم نقطة مشتركة واحدة وهي وقوفهم ضد امال الشعب الكوردي فقط كسبب رئيسي لانتكاساته المتكررة في تاريخه .

 

عماد علي

في المثقف اليوم