أقلام حرة

ما نهاية مائة عام من الاحباط ؟ (2)

طوال هذه السنين المنصرمة من تاريخ النضالات والثورات الكوردية التي تخللتها الكثير من الازمات واصابت الكثير منها بالصدمات، والانهيارات الكبيرة في مسيرة الثورة في نهاية الامر كانت نتيجة عدم الاعتبار للعديد من العوامل التي كان من المفروض الحساب لها قبل اي حركة ذاتية، اننا خسرنا ثورات وانهارت وضحينا بدماء وذهبت سدى ولكنها في النهاية لم تقض على بعض الامال التي حملها هذه المجموعات والتركيبات الشعبية، واهم المسببات الرئيسية في وصولها الى النهايات المحبطة هو عدم حمل رؤوس الثورات للافكار الواقعية وعدم اتباع العقلانية في قيادة الثورات وانهم كانوا يتبعون السير على ما كانوا يتمنون ويتسمون به من العاطفة الفكرية والايديولوجية .

لو قيَمنا ما كررناه في تلك الثورات المتعاقبة ودققنا في التغييرات العامة التي احدثتها في كيان الشعب الكوردي فكرا وعقلا وتوجها، يمكننا ان لا نمسح او نزيح ما اثرته على معيشتنا بشكل عام، الا اننا من خلال سياق الثورات وجراء ما فرضه الواقع بعد الثورة، اننا اصبحنا على حال مغايرة عن ماكنا قبلها بعد كل ثورة، وهذا من جراء التاثير الضمني  الواقع المتغير بعد كل نكسة واحباط، غير اننا لم نكن نتمتع بتلك المواصفات التي تبنيها الثورات الحقيقية المنسجمة مع ما تحمله الشعوب او تتمتع به من الافكار والحاسة الشعبية العامة والثقافة الخاصة بها، اي اننا ان غيرنا الظروف وتغيرنا جراء ما احدثته المتغيرات اثناء سياق الثورات لكننا لم نبن انفسنا بشكل يمكن ان نبين مدى ايجابية الثورات علينا ويمكن ان نقف مانعين ومحاولين عدم تكرار التجارب الخاطئة او ما يمكن ان نثق باننا لم نعد الاخطاء او لا نكرر ما مررنا به في تاريخنا خلال المائة العام من ثوراتنا المتلاحقة . نعم بقينا على الحالة النفسية الفكرية العقلية  المماثلة لما قبلها بدرجة يمكن ان نعلن مدى احباطنا من كل نكسة، دون ان نعتقد  ونعمل على ان كل ثورة ونكسة تجربة لا يمكن اعادة اخطائها وان نثبت في مسيرتنا خطوات ثابتة لنا كشعب تعبر عن ان كل نكسة بداية لثورة اخرى، بل اصبحنا في واقع كانت بداية كل ثورة آتية لما بعد سابقتها وكما كانت ما قبلها اي كانت الثورة الجديدة كما كانت في بداية الثورة التي سبقتها دون اي تغيير يُذكر . لو قارننا على سبيل المثال الثورة الجديدة بعد نكسة ثورة ايلول اننا وبحملنا لافكار وتوجهات مثالية من استيراد ما حمله العالم وكان عليه في تلك الفترة او المرلحة يمكن ان نقول اننا اخطئنا كما اخطات الثورة التي سبقتنا، اي لم نحسب لما تفرضه الظروف الموضوعية والذاتية،  قلدنا ما يجري في العالم دون الحساب على الخصوصيات التاريخية والجغرافية والاجتماعية والثقافية التي نحملها ونختلف بها مع غيرنا . اي الابتعاد عن الواقعية مرة اخرى . كما كانت الثورات السابقة والتوجه نحو النضال المسلح كاختيار دون دراسة ما يتطلبه، او دون دراسة او البحث عن البديل الملائم سواء كان مرحلي او استراتيجي في العمل على العبور ولو بخطوة معينة افضل من التراجع والانتكاسة والعودة الى الصفر . وكمثال على ذلك اصرينا على اما كركوك او لا حقوق مرحلية اخرى، اما الحكم الذاتي المقولب التي كان في نظرتنا الى المفهوم او لا شيء، اما الخيار المثالي الذي يكون لمصلحة الحلقات المعلومة وان اعلنوا بانهم يحملون هموم ما عرفوه بالامة او لاشيء . وفي اكثر الاحيان وضعنا العربة امام الحصان حقا، واتعبنا انفسنا بالتلهف وراء تحقيق تصور خاص بنا دون ان نحسب لمصلحة الاخر ومصلحتنا ومدى امكان التوافق معه وفي اية نقطة . اذن الحركات التتحررية الكوردية تشابهت الى حد كبير في مسيرتها وكينونتها وعليه اصيبت بالنكسات والاخفاقات وهذا ما ازداد الشروخ والاختلافات بين القيادات من جهة ومع الشعب بشكل عام وما برز منه ملامة الذات من جهة اخرى، ولكن المجموعات والتركيبات السكانية لم تياس من ما حملوه مخلصين لاهدافهم ومضحين لها، على الرغم من التقاسيم الاجتماعية التي تميزوا بها من العشائر والقبائل وافراد وشخصيات واخيرى تكتلات واحزاب، ومنهم من انسلخ من محيطه وابتعد عن واقعه باعتباره المثقف المختلف عن عامة الشعب وكم منهم ارتكن واعتزل ومنهم من ارتهن حاله في حضن الاعداء ايضا .

من الاسباب او العوامل الرئيسية المهمة لما وصلنا اليه في نهاية كل ثورة وحركة سياسية كانت ام مسلحة هي، السير عفويا على ما فرزته الظروف الانية دون دراسة ما حدث من قبل، اي دون الاعتبار من مسار الثورات السابقة وتفاصيلها وثناياها واعدنا الاخطاء في كل ثورة تلو الاخرى . هذا من جهة اما من جهة اخرى اننا لم ندرس الاساس التي قامت عليه تلك الثورات والاساس المرحلية للثورة التي عشنا مخاضها، اي عدم الاعتبار لما هو عليه المجتمع من نواحيه المتعددة، اي تجاهلنا الواقع الاجتماعي وما يلائم الثورة من ما موجود، واية ثورة يجب ان تكون وما حدود السير فيها وما هي العواقب والمعرقلات والايجابيات والسلبيات لكل خطوة وما يقع لحسابها بشكل دقيق خلال مسار الثورة . مع تجاهل الواقع الاقليمي والعالمي والاستناد على الذات دون اي اعتبار لاهمية الاقليم والعالم في ثوراتنا، اي اننا فكرنا كراعي قروي مجرد عن كل عقلية علمية وكأن ما نريده يمكن ان نحققه بالقوة الذاتية التي يمكن ان ان لا نتمتع بها ايضا نتيجة لخلافات داخلية، ولم نحسب للقضية الكوردية من جانبها العالمي بشكل علمي مناسب ولم ندرس ما تتطلبه السياسات العالمية والظروف الموضوعية وما تفكر به دول العالم التي له الصلة بمنطقتنا، ولم نضمن دعم دولة كبرى بل سرنا معهم بشكل تكتيكي دون ان يكون لدينا حتى وثيقة وحيدة نبرزها حال تراجعهم عن مواقفهم .  نعلم باننا اصحاب حق نعم ولكن هذا الحق لا يمكن ان نجد له مدافعا غيرنا، نعم اننا شعب قد ظلمنا الاخرون ولكنهم لازالوا اقوى منا ولهم الامكانية لصد تحقيق الحق ودحره اينما كان . كنا بعيدين عن حساب المصالح للاطراف التي تكون لها صلة بقضيتنا من قريب او بعيد، بل كنا نعتقد باننا امام عالم مسالم يحسب للاخلاق اهميتها وكانت السياسة  ولازالت هي التي تحددها وتؤطرها، والاخلاق  بعيد كليا عن ما يمكن ان يضمن المصالح، سواء كان هذا سذاجة منا ام عدم امتلاكنا لقيادات محنكة مبدعة، ورغم كل الادعاءات التي سمعنا عن عبقرية هذا وذاك وابرزوا لنا من الجهابذة التي كنا نعتقد بانهم يحسبون في مسار الثورات لكل صغيرة وكبيرة حسابها . انناعلمنا بعد ذلكا باننا حتى لم نفرق بين التكتيك والاستراتيج ولم نحدد المصالح وفقهما في اية مرحلة من مراحل حركاتنا السياسية والمسلحة كانت .

ما عشناه لم يكن فيه من الحسابات التي يجب ان تعتمد على البراغماتية في التعامل مع مصالحنا وما يريده الاخر ويهتم به، والعاطفة المسيطرة على العقلانية في سياسة القادة وا لرؤوس كانت السمة الاساسية للقادة طوال كل تلك الثورات، فهل من المعقول ان تحسب لبند او مادة مهمة لفلسفة ما قد تؤدي الى خراب البلد نتيجة التضاد والتضارب مع اقوى دولة في العالم، وانت تتبعها وتؤمن بها وتعلن ذلك امام الملا دون ان تحسب ما تتضرر من هذا العمل وما تتبعها من الخطوات التي تخطوها اصحاب او اعداء تلك الفلسفة السياسية او الفكرية المعينة . اننا لم نحسب للاقتصاد ولو بخطوة او مساحة معينة والجميع يعلم بان الاقتصاد هو المحرك الاساسي للسياسة التي تضمن المصالح العليا به . لم نعتبر للتاريخ وما جرى فيه ولم نستوعب التجارب وان كانت غنية، ولم نحتسب حتى لوهلة بان الدول تهتم بالتاريخ والاقتصاد والمصلحة وتحسب لها في ممارسات سياساتها فكيف بحركة سياسية بعيدة عن امتلاك اصحابها للدولة المستقلة .

ان حالنا ككورد في العالم المشتت وغير مركزي الحكم كانه قطرة ماء في بحر السياسة العالمية، على العكس من هذا الواقع ان ما نفكر ونعتقده  وكل ما سرنا عليه ونسير لحد الان وهو كاننا محل اهمية الجميع وانهم لا يمكن ان يمرروا سياساتهم ان كانت على حسابنا ولمكن ان يستغنوا عنا، ولم يكن بمقدرتهم ان يفرضوا سلطاتهم وارادتهم علينا، لا بل تصادمنا بفرض اكبر ارادة ومصلحة دولة اقليمية معينة في تصديها لنا، وهو ما سبب لنا الانتكاسة والانهيار المرحلي للثورة وقياداتها، وان لم يياس الشعب من فوران تلهفهم الى تحقيق امانيهم واهدافهم الحقة .

ان غياب دراسة عوامل النكسات التي حصلت هي التي فرضت تكرار التجارب مرة بعد اخرى، وطوال المائة عام من انشغالنا في تحقيق ابسط الحقوق وهو انبثاق وبناء دولتنا التي غدرت بنا القوى العالمية على سرقتها منا، لم نر الا الاحباط الدائم ولنا في الطريق ما يمكن ان نعتبر انفسنا قد نعيد التجارب الماضية في هذه المرحلة ايضا، لننتظر .

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم