أقلام حرة

ما نهاية مئة عام من الاحباط؟ (3)

ان قيَمنا ماضينا كما كان دون رتوش او تجميل او تغيير، وبعيدا عما يتطلبه واقع اليوم، وان ابتعدنا عن السياسة والايديولوجيا وتعمقنا وبحثنا بعلمية وبدراسة معمقة ما كانت عليه كوردستان كموقع جغرافي، والثورات كما حدثت مع ذكر العوامل الاساسية لما اشعلتها وكيف وجهت المسار نحو ما وصلنا اليه من الانهيار والاحباط الدائم معلوم للجميع . الهدف من بحث ودراسة الماضي لكي نعرف انفسنا وحاضرنا وما يمكن ان نستشرف منه مستقبلنا والاحتمالات التي يمكن ان نصل اليها في المراحل المقبلة من وضعنا السياسي . لقد غدر بنا الكثيرون سواء الدول التي الحقت بها كوردستان عنوة ام الدول الاخرى التي ضمنت مصالحها الكثيرة بالتلاعب مع قضيتنا، فهل من المعقول ان تصل الحال الى ان تلعب الجزائر بقضية امة ضحت بالشكل المعلوم وهي بعيدة عنا وهي ساهمت على الانتكاسة التي حصلت لثورة ايلول دون ان يرف لها الجفن في هذا الغدر. لا اتكلم عن اميركا اللاعب الرئيسي لانهيار الثورة الكوردية او لما كان لايران الدور المحوري لانها واحدة من الدول التي انقسم عليها الكورد ولها المصلحة في بقاء الكورد على حاله دون تحقيق امانيه . فهل من المعقول ان يصل الغدر الى دولة مثل نمسا من التهاون بدم القائد الكوردي قاسملو وان تحمي القاتل وتعيده الى بلده سالما غانما، امن المعقول ان تفعل السعوية ودول الخليج ما اقترفته ايديهم ازاء الكورد لكونهم حليف الدكتاتورية الى ان وصلت ايدي الطاغية اليهم، فهل ننسى ما اقدمت عليه اية دولة في الغرب  والشرق بقيضتنا في اية ثورة من ثوراتنا كانت ام نحن شعب ننسى سريعا، وهذا لا يعني ان نحمل احقادا بل السياسة تتطلب ان تصارع وتضع حدا لمن غدر بك  ووقف ضد مصالحك وامانيك .

هناك الكثيرون ممن استهتروا بالمشاعر الكوردية ابان ثوراتهم ومنهم في احسن الاحوال لم يول اي اهتمام بقضيته، ومنهم مد يد العون سرا ومن كان عونا في السراء والضراء، ولكنه له شخصيته الخاصة به وله اسلوبه الخاص كالرئيس معمر القذافي ودوره االيجابي ونظرته الجميلة للقضية الكوردية على الرغم من اية ملاحظة حول ما كان عليه من شخصيته الخاصة .

هذا على الصعيد العام والظروف الموضوعية التي حالت دون ان نتقدم او نحصل على ولو نسبة معينة مما كافحنا من اجله . اما نحن فلم نقصر في الناحية الفكرية والفلسفية وما طبقناه وامنا به على ارض الواقع الكوردي مجتمعا وثورة .

 مجيء الاسلام ونشره بالكيفية المعروفة، لما استورده وطبقه بالقوة المفرطة فكرا وفلسفة واباد به ما كنا عليه وتوارثنا ما فرض بالسيف على حساب تاريخنا، جعل مجتمعنا الكوردي مشوه الثقافة والتاريخ والكيان من جهة، ومن ثم على غرار ذلك ومن خلال الثورات الحديثة اتينا بافكار لم يكن مجتمعنا قد وصل الى حد يهضمها ويؤمن بها او يقتنع باصحيتها  من جهة اخرى . فهل من المعقول ان يتفهم الشعب الكوردي العنف الثوري الماركسي نظرية وتطبيقا وعلى العكس تماما من ما كان هو غارق في المثاليات والدين والمذهب . فهل يمكن تطبيق نظرية الدكتاتورية البروليتاريا في واقع وانت تعيش فيه ولكنه  يتسم بدكتاتورية الفرد، فهل من الممكن ان تحرر العبيد من الاقطاعيين وما يمن ان نسميه جزافا بالراسماليين المتخلفين في زمن الفيودالية وبمجرد ان تقرا عليهم كتاب راس المال لكارل ماركس .

 وهكذا دواليك من الثورات المختلفة في الاجزاء الاربعة ممن تخلى عن اهدفها الملائمة للمرحلة الاجتماعية والثقافية والوعيالعام للشعب، وانما الفكر المغاير الذي وصل اليه وشوه به الواقع وفصل به المجموعة المثقفة عن الشعب بشكل عام . ان كنت لم تتحرر من المحتل ولازلت في طور التحرر وليس لك دولة  وانت تعاني من التخلف ومسلط عليك سيف التخلف للاخر المحتل،  وانت تتاتي ودعي التحرر الطبقي وتنادي بالصراع الطبقي ولم تبرز في الحياة الاقتصادية السياسية للشعب حتى  الطبقات اصلا . اي كان لدينا خلال الثورات المتعاقبة مجموعة من الافكار المثالية العالية غير الواقعية ولا يمكن تطبيقها على واقع الكورد من جهة، او من الافكار البالية المحنطة التي نفذ تاريخ صلاحيتها واردنا احيائها على حساب الشعب الكوردي وتطلعاته الواقعية من جهة اخرى . نحن ضحية الافكار الراديكالية نظريا وعمليا وفشلنا في اختيار ما يناسب مرحلتنا التاريخية، ومن جانب اخر لم نجد النخبة التي يمكن ان تنصرنا دون ان تحصل على دعم المجتمع بذاته، اي ليس في تاريخنا من النخبة التي كان بامكانها في مرحلة ما التحرر او القفزة دون الاعتماد على التضحية الكبيرة للشعب بشكل عام  ايضا .

اذن، اليوم ونحن في مرحلة وهكذا وصلنا اليها بهذا الشكل المشوه والفوضوي والمشتت في عالم غير مركزي ومشتت ايضا ويحتاج لتقييم ودراسة عميقة ودقيقة  لمعرفة مفاصل الحكم والنظام العالمي والمصالح  متعددة لجميع الجهات ذات الصلة وتحديد الطريق الملائم للسير في حقل الغام السياسة والمصالح التي تفرضها الدول التي لها الشان الاكبر في المنطقة . من جانب انتهت الحرب الباردة ونشهد عودة ملامحها من جديد بشكل واخر، ومن جانب اخر نرى تعدد القوى والاقطاب والمرحلة في اعقد ظروفها . ومن الجانب الداخلي اننا لم نملك المقومات المطلوبة لكي نجاري الواقع العالمي ونحن في اضعف حالنا وبعيدون عن ما يدفعنا ان يكون لنا ثقل اي شعب اخر له دولته المستقلة في المنطقة على الرغم من التغييرات التي حصلت في المعادلات وما اثرت العولمة على مثل هذه التفاعلات الحاصلة جراء ما تسير عليه المنطقة والمعادلات التي تفرض نفسها على الجميع من منطلق ضمان المصالح مهما كانت الوسيلة المتبعة . ان واقعنا يمكن ان ندرسه على ما نحن فيه  من جانب مهم له، وهذا من حسن حضنا بان الصراعات القائمة في المنطقة تفرض ان نكون طرفا فعالا ولنا اهمية كبيرة لدى الدول العظمى من ناحية ضمان مصالحهم الكبرى، وعليهم ان ياخذوا ما يهم الكورد في اكثر الاحيان بعين الاعتبار، ولكن نعتقد بانها ضمانة مرحلية ولا يمكن ان تستمر، الا اذا عملنا على ترسيخ عوامل استمراريتها بتوحد الحركات وممارسة سياسات موحدة وتشكيل قوة سياسية عسكرية كوردستانية  موحدة معتبرة، وهذا بعيد ان يحصل في ظل الخلافات والصراعات الداخلية وما نسير به من القيادات والعقليات غير الدارسة لما تتطلبه المرحلة والواقع الجديد في المنطقة.

في الوقت الذي لم نعبّر مرحلة النضال القومي الكوردي في كوردستان، هناك نضالات عالمية اخرى تشبهنا ولكنها تسير وفق مابعد متطلبات مفهوم القومية وما تضمنه، فان النضال التحرري القومي في كوردستان اصبح في الماضي، اي لما قبل ان تجدد المنطقة ويدخل العصر في مرحلة مابعد القومية في المنطقة، ونرى ان النضال الكوردي قد  امتزج بها وفيها على الرغم من اننا لم نمر في النضال الوطني كما هو الحال لدى الشعوب الاخرى، فعليه يمكن ان نعتقد باننا قبل انبثاق وبناء الدولة ان ندمج بين النضالين لحين ترسيخ وتجسيد دولة عصرية وفق مقاييس المرحلة والعصر، وربما النضال يمكن ان يتخذ جوانب متععدة ماعدا القومي والوطني، اي يمكن ان تكون هناك الحاجة الماسة للقضاء على التفاوت الطبقي بين افراد الشعب الكوردستاني  في الوقت ذاته . وعليه لابد ان نقاوم المتآمرين الذي يعملون على استغلال الخواء الفكري السائد عند الكورد لحد الساعة، وعندئذ يمكننا القول باننا سنتحرر خلال عقد او اقل ونضمن مستقبلنا باسهل طرق ووسيلة ممكنة ومتوفرة لدينا . وبه نتخلص من الاحباط الذي اصابنا واستمر معنا خلال المائة العام الماضية وننقذ انفسنا من الوحل الذي نحن فيه ودمنا نتمرغ فيه طويلا ونحن منغمسين  دون ان نلق قشة لنتشبث بها، ففرصة اليوم لا يمكن ان تعوض ان لم نستغلها واهدرناها من جديد سنعيد التاريخ لمائة عام اخرى، فهل من يسمعنا .

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم